من المواضيع التي تطرح على الساحة في فلك التعليم المنزلي هو موضوع الأم العاملة والتعليم المنزلي. الكثير من الأمهات في زماننا لديهن وظائف نظامية أو سيدات أعمال ناجحات أو طالبات شهادات عليا، أو أمهات عاملات من المنزل. وبدون شك العمل أو الدراسة تأخذ حيزاً لا بأس به من اهتمام ووقت الأم. فهل تستطيع الأم مع كل هذه المسؤوليات أن تعلم أبناءها منزلياً؟
كما ذكرتُ في هذه المقالة، فإن الأمر ليس مستحيلاً إذا تحررنا من بعض القيود التي نضعها نحن لأنفسنا. لكن مع هذا أحببتُ أن أحضر للمتابعين أمهات حقيقيات يعملن أو يدرسن، وفي نفس الوقت يعلمن منزلياً.
معكم الأخت فاطمة (أم سلمى) من الأردن – أم لخمسة أطفال، بارك الله فيهم. كانت مقيمة في السعودية لمدة سبع سنوات حيث بدأت رحلتها في التعليم المنزلي. حاليا تقيم في الأردن، وتحاول بناء مجتمع للتعليم المنزلي.
تعرفتُ على أم سلمى من خلال فعاليات الجاليات ومجموعة التعليم المنزلي في الرياض، حيث كانت نشطة جداً مع مجموعة من الأخوات الناشطات في مجال الصحة والولادة الطبيعية.
مقابلة مع فاطمة (أم سلمى) – أم عاملة ومعلمة منزلياً من الأردن
منذ متى بدأتم رحلة تعليمكم المنزلي؟ وكم عدد الأطفال الذين تلقوا تعليمهم في المنزل في أسرتكم؟
ندخل حاليا في سنتنا الرابعة، بالنسبة لعدد الأطفال فأنا أشعر أن رحلة التعليم المنزلي تشملنا جميعا، أما حسب العرف فلدي ثلاثة أطفال في الصف الرابع، والصف الثاني، وkg2.
ما هي طبيعة عملك؟ هل هو العمل من المنزل، أو العمل بدوام كامل خارج المنزل؟
أعمل من المنزل حيث أدير مجموعة من الصفحات على الفيسبوك والواتساب (صفحة The Healthy Mama، ومجموعة Zero Waste Living، وكذلك مجموعة Homeschoolers of Jordan).
أحاول من خلال هذه الصفحات نشر الوعي بكل ما يتعلق باتباع أسلوب طبيعي تكاملي وشمولي في الحياة. بعضها أقوم به تطوعا والبعض الآخر مقابل الأجر؛ فأنا مرشدة صحية (Health Coach)، ومدربة ومرشدة ولادة طبيعية ودولا (Child Birth Educator and Doula).
هذه المقالة تتكلم عن الأمهات العاملات اللاتي يرغبن في تعليم أبنائهن منزلياً ولكن لا يعرفن إن كان ذلك ممكنًا. من تجربتك، هل من الممكن العمل بدوام كامل (أو الدراسة بدوام كامل) والتعليم المنزلي؟
لا أدري إن كنت مؤهلة للإجابة عن هذا السؤال لأنني لا أعمل بدوام كامل، فبعد أن أصبحت أماً وبالرغم من محاولاتي العديدة للاستمرار في العمل في تخصصي الأصلي كمهندسة معمارية وضمن شروطي إلا أنها باءت كلها بالفشل.
ومع زيادة عدد أطفالي وبداية رحلتنا في التعليم المنزلي وجدت شغفا جديدا وأضفت بفضل الله مجموعة من الشهادات لحصيلتي السابقة تطلبت ما بين الستة أشهر والسنة والنصف لإتمامها.
وبحكم صغر أعمار أطفالي ووجودي حينها في بلد غربة، لجأت إلى الدراسة أونلاين وبعدها كما ذكرت سابقا بدأتُ العمل، كل ذلك من راحة منزلي وضمن شروطي.
فنصيحتي للأمهات، لا يعني التعليم المنزلي أنك ستفقدين نفسك، يمكنك التوفيق بين وقتك ووقت أطفالك حسب ظروفك وخوض هذه التجربة الرائعة.
لنكن واقعيين هنا. عندما نعلم منزلياً بشكل عام – ناهيك عن العمل بدوام كامل والتعليم المنزلي – سيكون هناك بعض أوجه التقصير في جانب آخر من حياتنا. كيف يجب أن نشعر حيال ذلك؟ هل يجب أن ندع مشاعر “تأنيب الضمير” تؤثر علينا؟ أم أننا سنشعر بتأنيب الضمير مهما كنا “أمهات مثاليات”؟
سؤال على الوجع.😅
الشعور بالذنب وتأنيب الضمير أعتقد أنه شعور يصيب جميع الأمهات، سواء اللاتي يعلمن منزليا أو اللاتي اخترن إلحاق أطفالهن بالمدارس.
فبالنسبة لي، كان هذا الشعور حافزا للتطوير من نفسي عن طريق القراءة ومتابعة المختصين، خاصة مع وجود أطفالي معي بالمنزل.
وأعترف بأنني في كثير من الأحيان كنت أشعر (وما زلت) بالإحباط الشديد وأنني أريد الاستسلام وحتى الهرب إلى جزيرة نائية لوحدي، لكن مواجهة المشاكل والتعامل معها بأسلوب عملي وحكيم ستجعل من تجربة الأمومة بشكل عام تجربة رائعة بإذن الله.
من أسباب القلق الرئيسية حيال العمل والتعليم المنزلي لكثير من الأمهات هو شعورهن بالإرهاق والضغط النفسي وعدم القدرة على الاستمرار. كيف تعاملتِ مع العمل (أو الدراسة)، والمسؤوليات المنزلية، وتعليم 5 أبناء منزلياً، كله في آنٍ واحد؟
أعتقد أن أهم نقطة هو أن نقتنع نحن كأمهات أننا لسنا نساء خارقات (Super Women).
أنا أول المذنبين. أجد صعوبة في تسليم المهام لغيري وأقنع نفسي بأنني أستطيع متابعة كل الأمور بما فيها العناية بالمنزل؛ اقتنعت أخيرا أنني الخاسر الأكبر في هذه المعادلة.
لذلك، ما أفادني في تجربتي (ولو أنني ما زلت في طور التدريب) هو محاولة مشاركة الأعباء مع أي شخص ثقة مثل الزوج، أو العائلة والأقارب، أو الأصدقاء، أو عاملة منزلية مقيمة أو زائرة حسب ظروف وشروط العائلة، وحتى إلحاق الأبناء بنوادٍ أو نشاطات خارجية.
عندما نقرأ عبر الإنترنت عن نصائح من أمهات عاملات ومعلمات منزلياً، تنصح الكثيرات منهن بتبسيط التعليم المنزلي وتقليله بأكبر قدر ممكن. هل يتغير نمط تعليمكم المنزلي عندما تعملين (أو عندما كنتِ تدرسين) مقارنة بوقت وجودك في المنزل؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف؟
من خلال تجربتي المتواضعة في التعليم المنزلي والتي لا تزيد عن أربع سنوات، وسواء كنت أعمل أو لا، وجدت أننا كلما قللنا الضغط على الأبناء وأطلقنا لهم العنان كلما كانت عملية التعلم ممتعة ومفيدة أكثر لنا جميعا.
الأطفال فُطِروا على الاستكشاف وحب التعلم، وللأسف نقوم غالبيتنا بقص أجنحتهم وقولبتهم ضمن إطار يمنع حبهم للحياة. ولذلك في عائلتنا نتبع أسلوباً مرناً في التعليم يخلط بين التعليم حسب المواضيع والتعليم اللامدرسي.
عادة يكون هناك قلق عند الأمهات اللاتي لديهن أطفال صغار بسبب الوقت الذي يقضونه بعيداً عنهم خارج البيت. دائمًا يقلقون بخصوص أين ومع من يتركون الأطفال. هل لديك أي نصائح لهن؟
بالرغم من أنني لا أعمل بدوام كامل والساعات التي يقضيها اطفالي بعيدا عني قليلة، لكنني أحاول قدر الإمكان وأجتهد أن أكون حريصة في طبيعة البيئة التي سأتركهم بها (الأشخاص، المكان، الزمان) .
كما أحاول أن تبقى علاقتي مفتوحة معهم ليجدوني ملاذا آمنا للبوح بكل ما يمرون به من تجارب أو مواقف يتعرضون لها. باب النقاش دائما مفتوح، نتعلم ونستفيد من جميع المواقف السلبية أو الإيجابية التي يمرون بها.
هل العمل أو الدراسة بدوام كامل يستمر إلى الأبد؟ أم أن هناك أملا أو ضوءاً في نهاية النفق؟ هل سيصبح الأمر أسهل عندما يكبر الأطفال ويصبحون أكثر استقلالية؟
مئة بالمئة!
بالرغم من أن أكبر أطفالي ما زالت في التاسعة من العمر، إلا أن تجربتنا في التعليم المنزلي ووجودنا كعائلة نتشارك في كل تجاربنا وتعاملنا مع الأمور المختلفة في الحياة التي من ضمنها دراستي وعملي أشعر أنه كان سببا في نضوج أطفالي خاصة في الخبرات والتعاملات الحياتية مقارنة بمن هم في أعمارهم.
هل هناك أي تشجيع أو نصائح تقدمينها للأمهات اللاتي ليس لديهن خيار سوى العمل ويرغبن فعلاً في تعليم أبنائهن منزلياً؟
✔ أولا وضع هدف واضح والأفضل توثيقه كتابةً وتعليقه كميثاق للعائلة، فتجربة التعليم المنزلي تجربة لا تعوض، تمضي أهم السنوات من عمر الإنسان بعيدا عن المعلم والمربي الأهم في حياته.
✔ بعدها تأتي مرحلة التخطيط كما نخطط لأي شيء في حياتنا، وتوزيع المهام والأدوار بما يناسب وضع وظرف العائلة.
✔ وأخيرا وليس آخرا، وربما أهم نقطة؛ إخلاص النية والإيمان والثقة بالله عز وجل.
جزاك الله خير الجزاء. .المقال مفيد جدا ..ولكني دائما أشعر بالعجز في مواجهة كل هذه التحديات ..غير أن الانتظام اليومي على روتين ثابت صعب جدا وهذا أكبر المعوقات أمامي في اتخاذ قرار العودة للتعليم المنزلي
أهلاً ولاء،
ومن قال لك أن التعليم المنزلي يحتاج إلى انتظام يومي وروتين ثابت؟
أعتقد هناك بعض المفاهيم التي يجب تغييرها والتحرر منها، وأولها أنه لا نحتاج أن نكون منظمين مثل المدارس لنجاح التعليم المنزلي.
نعم نحتاج إلى القليل من الروتين، ولكن كذلك يجب أن نرحب بكسر الروتين متى سنحت الفرصة (دون الشعور بالذنب أو التقصير).
كلنا نبدأ بالتعليم المنزلي التقليدي المنظم جداً، ولكن مع مرور الوقت نسترخي ونبدأ نأخذ نمط التعليم المرن المسترخي (والمسترخي جداً أحياناً 😅).
سعيدة جداً بمرورك.🌸
تحياتي
سعدت جدا باهتمامك وردك على تعليقي ..😍😍
وأنا كذلك سعيدة بمتابعتك لنا.
أهتم بهذه المدونة كثيراً وأهتم بكل متابعيي، أرد على كل استفسار وتعليق وإيميل. حتى وإن تأخرت فإني أرد بإذن الله.
تحياتي 🌸