كيفية تعليم عدة أبناء بأعمار ومستويات مختلفة في آنٍ واحد

بعد اتخاذ قرار التعليم المنزلي، تبدأ سفينة هذه الرحلة بالإبحار، ونبدأ نواجه تحديات عدة ونبدأ نتساءل عن كيفية تعليم عدة أبناء بأعمار مختلفة في آنٍ واحد.

في رحلة تعليمنا المنزلي لم أعلم طفلاً واحداً أبداً، بل كنت دائماً أعلم أكثر من طفل في آنٍ واحد لعدة سنوات، مع الاهتمام بالرضع والأطفال الصغار (toddlers) في فترات مختلفة.  لذلك في قاموسي لا أعرف كيف يمكن أن نعلم منزلياً طفلاً واحداً.

في فترةٍ محددة من رحلة تعليمنا المنزلي، علمت أبنائي الثلاثة كلهم في آنٍ واحد ولمدة سبع سنوات متواصلة.  وفي آخر سنتين من هذه السبع، كنت كذلك أهتم بابني الرضيع إلى أن أصبح toddler.

وفي الوقت الحالي لا أستطيع أن أقول أنني أعلم منزلياً بناتي في المرحلة الثانوية، لأنهن الآن أصبحن معتمدات على أنفسهن شبه كلياً إلا في الرياضيات وبعض مواضيع العلوم، لذلك أنا فقط متواجدة معهن كموجهة وناصحة لا أكثر.

ولكنني ما زلتُ مستمرة في تعليم يوسف (في المرحلة الابتدائية)، وبدأتُ أفكر في بعض النشاطات لمرحلة التمهيدي لابني يونس.  بالإضافة إلى ذلك، انضمت مؤخراً إلى أسرتنا ابنة أخي لينة 😍، ويبدو أنني سأعلمها منزلياً هي كذلك في المستقبل القريب، وبسبب تقاربها في العمر مع ابني يونس، فإنني أعاملهما كتوأم مع مراعاة الفوارق التي تميز كلاً منهما.

وبسبب هذا التنوع في الأعمار والمستويات، أحياناً نقف ونتساءل: هل فعلاً نستطيع أن نوفق بين الجميع دون أن نفقد صوابنا؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فكيف؟

إليكم نصائحي وتجربتي التي يمكن أن تكون مفيدة لكم في رحلة تعليمكم المنزلي، ولعلها تساعدكم في مشواركم كذلك.  خذوا منها ما اقتنعتم به وما يتماشى مع نمط حياتكم، واتركوا الباقي!

كيفية تعليم عدة أبناء بأعمار مختلفة في آنٍ واحد

شاركتُ في الماضي بمؤتمر مدرستي حياتي للتعليم المنزلي، وكان الموضوع الذي تكلمتُ فيه هو تعليم أعمار مختلفة في آنٍ واحد، ولكن المحاضرات أو الفيديوهات لا تتيح لنا المجال لإضافة المزيد أو تحديث المعلومات أو الإحالة لروابط أخرى مفيدة.

 لذلك فضلت أن أعيد تكرار المحاضرة وأدونها وأضيف لها بعض الروابط لأفكار أو مقالات أو تجارب غيري لإثراء المحتوى وإعطاء القارئ أكثر من وجهة نظر.

تحديد وقت معين في اليوم للبدء بالتعليم المنزلي وتحديد وقت للانتهاء منه

في رحلة تعليمنا المنزلي– دائماً وإلى الآن – نبدأ في دروسنا اليومية في الفترة الصباحية بعد أن يستيقظ الجميع ويتناول وجبة الإفطار.  نقوم بكل ما يجب علينا القيام به من “واجبات”، أو أي شيء له علاقة بالمنهج الدراسي الذي نستخدمه في هذه الفترة الصباحية. 

نخصص هذا الوقت لحفظ القرآن الكريم، والرياضيات واللغة العربية والإنجليزية، وبعض العلوم (بحسب الموضوع وحسب المزاج)، ونترك أنواع التعلم الأخرى والمواد الأدبية الأخرى كالجغرافيا والتاريخ خارج هذا الوقت المحدد.

أنصح بأن تبتعدوا عن إعادة تدوير المدرسة في البيت، وأن تخففوا هذه الفترة الصباحية بقدر الإمكان.  لا أستطيع أن أحدد لكم عدد ساعات معينة لأن في التعليم المنزلي لا يوجد أي شيء موحد بين الجميع.  الأمر يختلف من أسرة لأخرى ومن طفل لآخر ومن مستوى لآخر.  لذلك أترك لكم تحديد ما هو مناسب لكم ولكم فقط!

يرجى فقط الانتباه – إذا كنتم في الولايات الأمريكية – أن تنظروا في قوانين الولاية التي تقيمون بها.  أعرف بعض الولايات تحدد للأسر المعلمة منزلياً عدد ساعات معينة في اليوم.  لذلك أرجو أخذ ذلك في الاعتبار عند تحديد عدد ساعات اليوم.

البدء مع جميع الأبناء في نفس الوقت

إذا كان في بيتكم أكثر من طفلين يتعلمون منزلياً، فمن الأفضل البدء معهم جميعاً في نفس الوقت!

الأمر ليس صعباً كما يُخيل إلينا.  فنحن الأمهات نستطيع أن نقوم بأكثر من عمل في آنٍ واحد. 💪

كأن نطبخ الغداء، ونتحدث على الهاتف، ونهدد الأبناء بالموت المحقق، ونتحدث مع الأزواج بلغة الإشارات – ونحن مازلنا على الهاتف – كلهُ في آنٍ واحد!

فلماذا تعتقد بعض الأمهات أنها لا تستطيع أن تعلم أبنائها منزلياً في آنٍ واحد؟

عندما كنتُ أعلم الثلاثة الكبار في آنٍ واحد، كنتُ دائماً أبدأ بأحدهم – الذي يكون مستعداً أولاً – وأشرح له الدرس وأعطيه نشاطه أو تمرينه أو ما يحتاج من مواد للقيام به، ثم أتركه وأنتقل للثاني.

أقوم بنفس الشيء مع الثاني من شرح الدرس أو المساعدة فيما يحتاج إليه، ثم أنتقل للثالث.  وأفعل نفس الشيء مع الثالث.

ثم بعد ذلك أرجع للأول وانظر أين وصل وهل يحتاج إلى مساعدة، أو هل انتهى من درسه ويحتاج للانتقال إلى المادة التالية … وهكذا.

بهذه الطريقة نستطيع أن ننهي الجدول أو ما قررنا القيام به في الفترة الصباحية مع كل الأبناء.

محاولة الجمع بين المتقاربين في العمر في المواد التي تكون غير تسلسلية مثل التاريخ والسير والجغرافيا وبعض مواضيع العلوم

ما أقصد بالمواد غير التسلسلية؟

في الغرب لديهم مواد تعرف بالـ spiral subjects أو كما أسميها مواد تسلسلية، أي أنك لا تستطيع أن تستمر بمستوى معين دون أن تنهي المستوى الذي قبله.  الرياضيات تعتبر مادة تسلسلية، وبعض مواضيع العلوم كذلك، وقواعد النحو مثل الرياضيات تماماً.

أما المواد غير التسلسلية، فهي التي تعتمد على المواضيع والمعلومات العامة ولا تعتمد بالضرورة على مهارات يجب إتقانها قبل الشروع فيها – باستثناء طبعاً مهارة القراءة وأحياناً الكتابة.

فمثلا لا نحتاج أن نتعلم عن الحرب العالمية الأولى حتى نستطيع أن ندرس الحرب العالمية الثانية.  نعم وجود معلومات سابقة عن الحرب العالمية الأولى سيساعدنا في فهم بعض جوانب الحرب العالمية الثانية ولكن ليس بالضرورة.

لذلك في التعليم المنزلي يمكن الجمع بين الأبناء في هذه المواد غير التسلسلية ودراستها معاً حتى وإن لم يكن الجميع في نفس المرحلة العمرية.

في الماضي درست بناتي السيرة النبوية معاً في حين كانت ابنتي الصغرى في مستوى أقل من أختها.  وكانت تجربة رائعة جداً حيث أني وفرت الكثير من الوقت والجهد في تجهيز النشاطات التعليمية والفنية، وكانت المتعة أكثر لأننا كنا نقوم بكل شيء معاً.

تعليم أعمار مختلفة في آنٍ واحد

في الوقت الحالي بدأتُ أنتهج نمط التعليم المنزلي اللامدرسي في هذه النوعية من المواد.  أُفضل هذا النمط لأني أعلم منزلياً فقط ابني يوسف في الوقت الحالي، والبقية إما صغار جداً أو “كبار” جداً.  لذلك بالنسبة ليوسف التعليم المنزلي اللامدرسي أو التعليم الذاتي أو التعليم الحر – سموه ما شئتم – هو أفضل طريقة بالنسبة لكلينا ويشعره بالحرية كما يقول لي . 🤷‍♀️

للمزيد حول أنماط التعليم المنزلي تفضل هنا، ولقراءة رأيي وتجربتنا حول التعليم المنزلي اللامدرسي تفضل هنا.

دراسة نفس المواد بمختلف المستويات في آنٍ واحد

عندما يكون في المنزل أكثر من طفلين يتعلمون منزلياً، فمن الأمور التي تساعدنا على عدم فقدان صوابنا هو تدريس نفس المواد لكل الأبناء في آنٍ واحد.

مثلاً: في بيتنا في الغالب نبدأ بمادة الرياضيات أولاً.  فالجميع يُخرج كتابه وأتنقل أنا بينهم وعقلي كله أرقام ومعادلات حسابية. 

فلا أشعر بالإجهاد الذهني عندما نكون جميعاً على نفس المادة بدلاً من التنقل بين القسمة المطولة – مثلا -، والتأكد من أن الثاني نصب المفعول به بدلاً من رفعه، ومناقشة الثالث في جغرافيا القطب الجنوبي وحدوده السياسية أو إلى أي دولة تنتمي هذه القارة أصلاً!😵

هذا التنقل العنيف ذهنياً – إن صح التعبير – بين مواضيع شاسعة وبعيدة كل البعد عن بعضها البعض يصيب الأم المعلمة منزلياً بالكثير من الدوار والإجهاد الذهني كذلك!

قد يتبادر إلى أحدكم هذا السؤال: ماذا لو أنهى أحد الأبناء درسه قبل إخوته؟ هل ينتقل للمادة التالية أم ينتظر البقية؟

هذا يعتمد على الأبناء والأم التي تعلمهم ونمط حياتهم.  لا توجد إجابة محددة في التعليم المنزلي، فكل الطرق تؤدي إلى … الحرية في التعليم المنزلي.😅

لكن الذي كنتُ أقوم به شخصياً هو أن من أنهى درسه يبدأ بالمادة التالية حسب جدوله حتى لا نضيع الوقت.  كنا دائماً نحاول إنجاز 70 % من جدولنا حتى لا نتأخر عن باقي النشاطات أو البرامج خارج البيت. 

المرونة وانتهاز الفرص

التعليم المنزلي يجب أن يكون بدون أي ضغوطات لا على الأم ولا على الأبناء.  لذلك يجب أن تتعلم الأم كيف تكون مرنة وكيف تتنازل عن المثالية وتتقبل الواقعية.

من الأمور الواقعية التي يجب أن نتقبلها هو أننا لسنا آلات ولا أبناؤنا أجهزة كمبيوتر نحشوها بما نريد ومتى نريد وكيفما نريد.  فنحن خاصمنا وقاطعنا التعليم النظامي تحديداً لهذه الأسباب.

لذلك يجب أن نقتنع أننا لن نستطيع أن ننجز كل ما نخطط له كل يوم.  هذا أمر واقع يجب أن نتقبله. وحين نتقبله نكون قد تعلمنا كيف نكون مرنين وواقعيين.

المرونة هنا أقصد بها أنه عندما نعلم عدة أبناء في آنٍ واحد يجب ألا نشعر بالإحباط إن لم نحقق كل ما خططنا له أو أردنا أن نتعلمه في ذلك اليوم لكل طفل.  وكذلك يجب ألا نشعر بالضغط حين ننظر للساعة ثم ننظر للجدول الذي بالكاد استطعنا أن نحقق أقل من نصفه ونشعر أننا ضيعنا وقتنا وأننا يجب أن ننهي هذا “الجدول” حتى نشعر بالرضى.

المرونة هي أن نتقبل أن التعليم قد يكون من غير كتب، ومن غير تخطيط، وأحياناً من غير علمنا حتى!

أعطيكم مثال:

عندما يكون أحد الأبناء متحمس جداً للعب بلعبته الجديدة ولا يستطيع أن يركز فيما هو أمامه، ونكون مشغولين مع الثاني والثالث في دروس يستصعبونها، في هذه الحالة نترك الأول ليلعب بلعبته الجديدة وننتهز هذه الفرصة لنركز على البقية.

هل هذا إهمال؟ 🙄

لا! أبداً!

بل هو عين التعليم.  فمثلاً عندما يلعب ابنك بلعبته الجديدة ليوم واحد فقط (أو حتى يومين😑)، ويترك درس القسمة المطولة (ذات الدم الثقيل) ذلك اليوم، فإنه في الواقع يتعلم عدة أشياء دون أن نشعر!

🌸 أولا يتعلم أن يلعب ويستمتع بوقته – مهارة مهمة جداً نفقدها تدريجياً دون أن نشعر أو ننتبه كلما تقدم بنا العمر.

🌸 ثانياً يتعلم من أي شيء صنعت هذه اللعبة وكيف تعمل، وإن كانت لعبة إلكترونية فإنه دون شك يتعلم مهارات إلكترونية ويبدأ الفضول عنده حول لغة البرمجة التي استعملت لتصميمها مثلاً.

🌸 ثالثاً يتعلم المسؤولية.  أي أنه يعلم أن هناك شيئا تركه ويجب عليه الرجوع إليه لأنه يشعر أنه لم ينجزه – صدقوني الأطفال يشعرون بالكثير من الفخر عندما ينجزون مهامهم والعكس صحيح تماماً.

🌸 رابعاً لن يكون لما يتعلمه أي قيمة إذا فرضنا عليه أن ينهي درسه قبل أن يلعب باللعبة الجديدة.  وكأننا ننفخ في “قربة مثقوبة”!

وقس على ذلك المثال عدة سيناريوهات أخرى – كأن يكون أحدهم متشوقا لقراءة كتابه الجديد، أو أن أحدهم “يدعي” أنه مريض، أو يريد أن يستعمل علبة ألوانه الجديدة – كل هذه فرص يحصل من خلالها تعليم من غير كتب أو تخطيط، ويمكن انتهازها إن تقبلنا أن نكون مرنين وأن لا ننظر للساعة أو الجدول الذي أمامنا.

العمل على توجيه الأطفال تدريجيا ً للاعتماد على أنفسهم

التعليم المنزلي تعليم ذاتي في طياته.  فلسفة التعليم المنزلي تتمحور حول التركيز على ما يثير شغف الطفل وتأخير أو ترك الأشياء الأخرى التي “نظن” أنها مهمة.

وبما أن التعليم المنزلي تعليم ذاتي، فإننا نعوّد أبنائنا منذ الصغر على الاعتماد على أنفسهم في إنهاء مهامهم اليومية وكذلك الدراسية.

وعندما يكون الطفل قادرا على أداء بعض دراسته بنفسه، فإن ذلك يخفف الحمل على الأم ويعطيها المجال إما لتركز على البقية أو لتستمتع بوقتها.😎

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف؟!

كيف لنا أن نصل لهذه المرحلة؟

دعوني أقول لكم من تجربتي أنها لن تكون بين عشيةً وضحاها.  بل الأمر سيستغرق عدة سنوات من التعليم المنزلي المتواصل ومن اهتمامكم اللامتناهي ومن تضحياتكم بأوقاتكم وبأشياء أخرى مهمة في حياتكم.  ولكن بعد أن تجتازوا هذه المرحلة تجدون أنفسكم مسترخين كثيراً في التعليم المنزلي لدرجة “الشعور بالذنب”.

بعد عمر معين (لن أحدد هذا العمر حتى لا يشعر أحد بالإحباط وكذلك لأنني أؤمن أنه لا توجد معايير موحدة في التعليم المنزلي) نبدأ نشجع الأبناء على الاعتماد على أنفسهم أو تركهم بجانبنا للقيام بدروسهم.  في الغالب هذه المرحلة تكون عندما يتمكن الطفل من القراءة، ولكن ليست بالضرورة – كل طفل حسب قدراته وحسب طبعه وميوله.

ثم بعد ذلك نبدأ بترك الطفل يحدد ما الذي يريد القيام به، وإن كنتم تستخدمون منظمات التعليم المنزلي نترك للأطفال المجال لكي “يساعدونا” في وضع الجدول الذي يرغبون به.  يمكنكم الاطلاع هنا على منظمات خاصة للأطفال.

عندما يضع الأطفال جداولهم بأنفسهم، فإنهم يُحمّلون أنفسهم مسؤولية هذه الجداول، ويحرصون على تنفيذها ولو جزئياً.

مع الوقت يبدأ يتبين لكم أن الأطفال من سن مبكرة يتعلمون كيف يعتمدون على أنفسهم سريعاً في المواد التي يحبونها أو يفضلونها، ويتأخرون قليلاً في المواد التي لا تروق لهم – وهذا طبيعي جداً.

يجب الأخذ في الاعتبار الاختلاف بين كل طفل وآخر حتى في الأسرة الواحدة.  ويجب عدم دفع الأطفال للاعتماد على أنفسهم إلا إذا رأينا فيهم القدرة على حل المشكلات والتمكن التام من القراءة.

في نهاية المرحلة الإعدادية أو بداية المرحلة الثانوية يفترض أن يكون الأولاد معتمدين على أنفسهم اعتمادا شبه كامل.

حين نصل لهذه المرحلة نكون قد وفرنا على أنفسنا الكثير من الوقت للتركيز على من هم أصغر سناً ومن يحتاجون إلى اهتمامنا ووقتنا.

الاستعانة ببعض الكورسات أو المواقع على الانترنت، أو حتى بمدرسين خصوصيين

الاستعانة بمواقع على الانترنت، أو مدرسين خصوصيين لمواد أو مواضيع معينة، أو بكورسات مدفوعة على الإنترنت، كل ذلك من الأمور التي ستساعد الأم كثيراً في تخفيف الحمل عليها والتركيز على من يحتاجون اهتمامها أكثر.

عندما يبدأ الأطفال الاعتماد على أنفسهم ولو قليلاً، يمكن أن نعطيهم خيارات أخرى في طرق التعليم التي لا تحتاج إلى أي تدخل يذكر من الأم.

في رحلة تعليمنا المنزلي لم نلجأ إلى مدرسين خصوصيين إلا في تحفيظ القرآن الكريم في فتراتٍ معينة، وخصوصاً عندما وصلن البنات إلى مرحلة متقدمة من تعلم أحكام التجويد ومخارج الحروف – أشياء لم أتعلمها أبداً إلا في الكبر بسبب نشأتي في كندا ولا أتقنها لذلك لجأتُ إلى من هم أفضل مني في ذلك.

وكذلك لم نلجأ إلى كورسات أون لاين إلا في مادة اللغة الإنجليزية، عندما وصل الأبناء إلى مرحلة الكتابة الإبداعية والتي أعتبرها نقطة ضعف عندي.

كذلك إذا كان لديكم أبناء لديهم شغف بالكمبيوترات والبرمجة، فهناك خيارات رائعة ومجانية كذلك، مثل موقع Scratch لتعلم البرمجة، وموقع Typing Club لتعلم الطباعة على لوحة المفاتيح.

للمزيد حول هذه المصادر الإلكترونية، يرجى مراجعة هذه المقالة تحت عنوان التعليم الإلكتروني.

التخطيط ووضع الجداول

من المهارات التي يكتسبها المُعلمون منزلياً هي مهارة التخطيط ووضع الجداول والأهداف.

من أكثر الأسئلة التي أُسأل عنها بصفة دائمة هي كيفية التخطيط والتوفيق بين التعليم المنزلي ومسؤوليات الحياة الأخرى، وكذلك كيفية التوفيق بين تعليم عدة أبناء في آنٍ واحد.

لذلك شئنا أم أبينا التخطيط هو المفتاح السحري لكل هذه الأقفال ويجب علينا أن نتقنه.  تكلمتُ مسبقاً عن التخطيط، ولكن ما زلتُ أشعر بأن هذا الموضوع لم أوته حقه لأهميته.  وتكلمتُ عن رحلتنا في تعلم هذه المهارة، وكيف أن التنظيم والتخطيط مهارة مكتسبة.

ولكن في هذه المقالة سأتكلم عن التخطيط والتنظيم بصفة سريعة:

أنصح بأن يكون هناك خطة سنوية عامة وفضفاضة، كأن تقرروا ما هي المواد التي تودون أن تدرسونها، وما هي الكتب التي ستدرسون منها وهل هي مناهج حكومية أم تختارون أنتم مناهجكم … إلخ.  ثم تضعون جدولا لكل عدة أسابيع وتقسموا الخطة السنوية على هذه الأسابيع.  هناك من يضع جدوله لكل 6 أسابيع، وهناك من يضع جدوله لكل شهر أو أربعة أسابيع.

في رحلة تعليمنا المنزلي كنت أضع الجداول لأبنائي الثلاثة لكل 4 أسابيع.  أما الآن ولأنني لا أتدخل في جداول الكبار ولا أضع للصغار جداولا بتاتاً، فلم يعد عندي إلا يوسف (في المرحلة الابتدائية) لأعلمه منزلياً، لذلك أخطط فقط لكل أسبوعين.

في هذه الجداول أضع المواد الرئيسية التي نقوم بها كل يوم كالحد الأدنى.  ثم أملأ باقي الجدول بالمواد الأخرى للقيام بها متى سنحت الفرصة، أو عندما تكون المواد الرئيسية خفيفة وننتهي منها بسرعة.

وبسبب استعمالنا لنظام الجداول، فقد كنت أصمم منظمات للتعليم المنزلي، ومن ثم تطور الأمر إلى تصميم منظمات للبنات حتى يتسنى لهن وضع جداولهن بأنفسهن.  تفضل هنا لتحصل على نسخة مجانية من منظمة التعليم المنزلي، وهنا إن أردت أن يكون لابنك أو ابنتك منظمتهم الخاصة.

تعليم أعمار مختلفة في آنٍ واحد

استعمال صناديق الأعمال

ماذا إن لم يكن استعمال المنظمات طريقة تروق لك؟ 

هل هناك خيار آخر؟

نعم بالطبع!

هناك من لا يحب أن تكون له منظمة مطلقاً، ويفضل استعمال ما يعرف بـصناديق الأعمال أو الـ Work boxes.

هذه الصناديق هي عبارة عن عدة أدراج بلاستيكية، أو صناديق، أو أدراج في مكتب أو حتى ملفات ورقية، ويتم توزيع فيها مخطط الأسبوع لكل المواد لكل طفل.  بحيث يعلم الطفل ما عليه القيام به في هذا الأسبوع كله، وبكل درج أو صندوق كل مستلزماته لكامل مادة أو موضوع.

في رحلة تعليمنا المنزلي لم أستعمل فكرة صناديق الأعمال أبداً، مع أن هذه الطريقة بدأت تروق لي في الآونة الأخيرة ولكن لم أعد أحتاجها في الوقت الحالي ليوسف.

في هذا الفيديو، وهذا، وهذا أمثلة على هذه الصناديق وكيفية استعمالها.  كل الفيديوهات باللغة الإنجليزية، ولكن على الأقل تأخذون فكرة عنها وعن طريقة استعمالها وما يدخل بها من نشاطات أو أوراق عمل أو حتى كتب قراءة أو كراسات نشاطات.

لكل أم في هذه الفيديوهات طريقتها الخاصة، ولكلٍ منها منهجها وأسبابها لاستعمال هذه الصناديق.  أتمنى أن تجدوا عندهن الفائدة، ولكني لستُ مسؤولة عن أي مخالفات شرعية موجودة في الفيديوهات.

صناديق أعمال لمن دون سن المدرسة (Toddlers Workboxes)

هناك أيضاً صناديق أعمال للأطفال الصغار جداً وقد صممتُ مؤخراً سلسلة كاملة من صناديق الأعمال لأن الأمور هنا في بيتنا بدأت تخرج عن السيطرة.  فكما ذكرتُ آنفاً انظمت لأسرتنا ابنة أخي وأصبحت تقضي معنا معظم يومها، وطبعا تتحد هي وابني الصغير ويصبحون كما نقول بالإنجليزية double trouble.😨

لذلك بدأتُ باستعمال بعض الصناديق وتجربة هذه النوعية من التنظيم لعلها تعيد إلى بيتنا وغرفة تعليمنا المنزلي بعض “السلام” ولو لنصف ساعة.

كذلك قمتُ بإنشاء لوحة جديدة على حسابي بنترست وجمعتُ فيها عدداً لا بأس به من أفكارٍ لصناديق الأعمال المخصصة للأطفال الصغار.  بعض الأحيان يسمون هذه الصناديق Quite Boxes، وأحياناً يسمونها Busy Boxes.  حتى وإن تنوعت التسميات، فالغرض من هذه الصناديق هو إلهاء المشاكسين بطريقة تعليمية وإبداعية حتى يتركوا الأكبر سناً يدرسون بسلام!

للمزيد حول كيفية التعامل مع الأطفال الصغار أثناء تعليم الكبار منزلياً، راجعوا هذه المقالة للأخت دعاء مجدي، فقد ركزت في مقالتها على هذه الفئة العمرية وكتبت لنا أفكارا جميلة ورائعة يمكن تطبيقها والاستفادة منها.

المحافظة على الروتين

دائماً أشعر بأنني منافقة عندما أنصح غيري بتأسيس روتين والحفاظ عليه لأني أكره الروتين وأشعر أنه يقتل المتعة في الكثير من الأحيان، ولكن في نفس الوقت عليّ أن أعترف بأن الروتين مهم وضروري ويقلل الكثير من الصدامات بين الأطفال والأمهات.

عندما يستيقظ الطفل من نومه صباحاً، يعلم تماماً ما هو التالي، ويعلم أنه لا يستطيع أن “يفلت” من هذا الروتين إلا نادراً.  لذلك يتم إنهاء الدروس بأسرع وقت وأقل تصادم ممكن مع الأم – خصوصاً في بداية رحلة تعليمكم المنزلي حتى يعتاد الأطفال على هذا النظام الجديد.

ولكن في نفس الوقت لا بأس من كسر الروتين من حين إلى آخر، ولا بأس من تغيره من فترة لأخرى، ولا بأس من إضافة أشياء جديدة له وتحويره بما يناسبكم ويناسب نشاطاتكم خارج البيت.

ولكن لا تدعوا هذا الروتين يفلت كلياً من أيديكم.  حاولوا المحافظة عليه بقدر الإمكان، لأن الروتين عندما يفلت يحل محله روتين آخر قد لا يكون مجديا وفعّالا في التعليم المنزلي.

نمر أحياناً بفترات يفلت فيها الروتين – كحضور أحد الأقارب من بلاد بعيدة ويقضي عندنا عدة أسابيع، أو أن يرزقنا الله عز وجل بمولود جديد يقلب حياة الجميع رأساً على عقب، أو في حالات المرض عندما تتوقف الحياة بأسرها وتتمحور فقط حول المريض واحتياجاته وبقائه في المستشفى وعلاجه طويل المدى، أو التنقل من بلد لآخر ومحاولة الاستقرار في البلد الجديد – كل هذه الظروف ظروف مررنا بها في رحلة تعليمنا المنزلي وقلبت روتين تعليمنا المنزلي بل وأنهته بالكلية.

هذه هي الحياة والتعليم المنزلي جزء من هذه الحياة، وعليه يجب أن نتقبل هذه الظروف ومحاولة إعطاء أنفسنا قسطاً من الراحة وترك التعليم المنزلي للتركيز على ما هو أهم، وإفساح المجال للأطفال للتعلم من هذه الحياة بطريقة عملية حقيقية وبدون كتب ونشاطات – فقط بعيش هذه الظروف والتعلم منا في كيفية التعامل معها.

ثم بعد أن تمر هذه الظروف، يجب العمل على إنشاء روتين آخر والمحافظة عليه حتى تستقر أمور التعليم المنزلي من جديد.

في الختام …

هذه هي جل تجربتي في كيفية تعليم عدة أبناء بأعمار مختلفة في آنٍ واحد تعليماً منزلياً كاملاً، وهذه هي نصائحي التي أقدمها لمن أراد أن يلتحق بركب التعليم المنزلي ولكنه متخوف من إمكانية تعليم كل أبنائه.  خذوا منها ما يناسبكم وما أعجبكم و … – كالعادة – اتركوا الباقي.😅

لا تنسوا مشاركة هذه المقالة، وغيرها من المقالات – إن أعجبتكم – من خلال أيقونات التواصل الاجتماعي في الأسفل. كما أتمنى أن أسمع منكم في التعليقات أسفل الصفحة.

ربما سيعجبك أيضاً

Subscribe
نبّهني عن
20 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
أروى..أم معلمة منزليا مشتتة😄
ديسمبر 7, 2023 2:52 م

ممتازة..الله يبشرك

Radia Eldeeb
أغسطس 24, 2022 9:53 م

المرونة!! وضعتي يدك على الجرح 🙂 مقالة جميلة، شكراً لك 🌹

هبة
أبريل 10, 2022 8:39 م

رابط مقالة دعاء مجدي لا يعمل

Last edited 2 سنوات by هبة
sumer
يوليو 31, 2021 1:35 م

الجميل في الموضوع عندما تشرح لإبنك الكبير مسألة رياضية مثلا وأخوه الصغير ينتظر ..اذا سألت الكبير سؤال على المسألة فلا يجيبك إنما الأخ الأصغر هو الذي يجيبك

هبة عادل
يونيو 12, 2020 12:49 ص

جزاكي الله خيرا ..تعرفت الآن فقط على مدونتك وأحببتك كثيرا أسلوبك شيق جدا في الكتابة ومحدد ومفيد في نفس الوقت
أنا للأسف بدأت متأخرة في موضوعات التعليم والتعلم والتربية ووضع الأهداف هل من تدارك للأمر
لدي ابنه بدأت التعليم الجامعي هذا العام وهي تعرف أهدافها وتضع خطط لذلك
المشكلة تكمن في ابن سيبدأ المرحلة الثانوية العام القادم وابنه ستبدا عامها العاشر بعد شهر من الآن والأثنان كل اهدافهما في الحياة اللعب والأصدقاء وفقط هل في هذا العمر المتقدم يمكن بداية تعلم منزلي وتدارك ما قد فات ام إنه قد فات الأوان

سهام عبيد
نوفمبر 29, 2019 2:43 م

اللهم بارك.. جزاك الله خيرًا.. أكثر ما يعجبني بالتعليم المنزلي هو تدريس الأطفال من مراحل عمرية مختلفة في نفس الوقت 😍
لفت انتباهي أوراق العمل عن السيرة النبوية.. فهل تتكرمين بإعلامي أين يمكنني الحصول عليها؟ وبورك فيك وفي أولادك 🌷

سهام عبيد
ديسمبر 1, 2019 4:19 ص
Reply to  أم يوسف

أعانك الله 🌷في الانتظار إن شاء الله 🌷❤

حسيبة
نوفمبر 23, 2019 7:32 ص

مقالة مفيدة جدا جزاك الله خيرا، المزيد من التألق والنجاح.

اسما
نوفمبر 17, 2019 2:35 م

سعيدة جدا بهذه النقاله وجهدك المبذول نفع الله بك حبيبتى .. كنت احتاج مثل هذا الترتيب للأفكار

هبة
نوفمبر 13, 2019 1:18 م

أنا أحييك علي جهدك بصراحة المبذول هنا
جزاك الله خيرا

أنا لدي بنت ٣ سنوات و٩ شهور
ولدي بنت أخري أوشكت تتم سنة

وكنت محتارة ازاي ممكن أعمل أنشطة للصغيرة مع الكبيرة
موضوعك ملهم ودونتك كلها كذلك الحقيقة
استمري .. بارك الله فيك

زياد
نوفمبر 12, 2019 4:10 ص

السلام عليكم ورحمة الله
جزيتي خيرا اختي الكريمة, وبارك الله جهودك وان شاءالله تجديه في ذريتك المباركة …
نحن في سوريا وللأسف حاليا بعد الظروف التي مرّت على البلد نعتمد بشكل شبه كامل بتعليم أبناءنا على المدرس الخصوصي
وهذا مرهق نفسيا وماديا, مع العلم ان زوجتي تحاول جاهدة تعليم اولادي الصغار منهم بالمرحلة الابتدائية والاعدادية في المنزل , ولكن ……
اشكرك على مقالتك وسأطلب من زوجتي الاستعانة بها , وان شاءالله نستفيد.
اشكرك والى اللقاء ثانية وأبشرك بأخبار جيدة بعون الله.

جويرية
نوفمبر 12, 2019 3:39 ص

جزاك الله خير الجزاء اختي الكريمة، مسرورة بعودتك إلينا. رزقنا بمولود جديد و ذالك الروتين ذهب ولم يعد. ابني الأكبر ذر ٧ سنوات، و اخته ذات ٣ سنوات. و وعكة صحية اصابتني و لله الحمد و المنة، فلا ادري كيف و من أين اعيد ترتيب الأسرة! و الله المستعان.