في عام 2004، حين بدأنا نفكر أنا وزوجي في التعليم المنزلي، لم نكن نعلم ما الذي سنواجهه من انتقادات وتعليقات سلبية و تشكيكات في طريق رحلتنا.
ثم في عام 2007 حين كان من المفترض أن تبدأ ابنتنا الكبرى التعليم النظامي، فُتِح باب النقد اللاذع على مصراعيه ووصل الأمر إلى التعليق الجارح والاستهزاء الصريح والضمني.
لم نكن حينها نعلم كيف نتعامل مع هذا الوضع الغير متوقع، وكان النقد في الغالب يوجه لي أنا شخصياً اعتقاداً من الجميع بأني أنا صاحبة الفكرة (في الواقع زوجي هو صاحب الفكرة ولكن أنا من طِرتُ بها😎).
لم يكن هناك موارد مفيدة على الشبكة العنكبوتية في كيفية التعامل مع التعليقات السلبية، ولا حتى باللغة الإنجليزية، وما وجدته في ثنايا الكتب التي تتكلم عن التعليم المنزلي كان محدوداً جدا ولا يتطرق إلى نصائح عملية في كيفية التعامل مع هذا النقد اللاذع وهذه التعليقات السلبية.
مع مرور الوقت، بدأتْ تتعزز الثقة بنفسي، وبدأتُ أستطيع أن أدير النقاشات بشكل فعّال لما اكتسبته من خبرة عبر السنوات. فكونتُ لنفسي “دليل ذاتي” أرجع إليه من حينٍ إلى آخر، وأُذكر به نفسي كلما احتجت إليه.
هذا “الدليل الذاتي” هو عبارة نصائح عملية في كيفية التعامل مع التعليقات السلبية، لخصتها في هذه المقالة بعد أن استخرجتها من كل هذه النقاشات التي دارت بيني وبين كل ما تقاطع درب حياته مع درب حياتنا.
خمس نصائح في كيفية التعامل مع التعليقات السلبية عن التعليم المنزلي
1. حوَّل التعليقات السلبية إلى دعوة إيجابية لإعادة النظر في نمط حياتك
عندما نكون إيجابيين وننظر للنصف المليء من الكوب، فسنرى أن هذه التعليقات السلبية هي دعوة لإعادة ترتيب الأولويات، وإعادة تجديد النوايا.
النقد (البناء طبعاً) ضروري ويجب أن نتعود عليه ونُعود أبنائنا عليه وعلى كيفية التعامل معه. النقد يجبرنا على إعادة النظر في أهدافنا، وأفكارنا ومخططاتنا، وهذا يشجعنا على الاستمرار في هذا المشوار والإصرار عليه والتمسك به. فهو يدعونا لمراجعة أحدث الأبحاث، والاطلاع على آخر الإحصائيات، وإجاد حلول وطرق جديدة ومبدعة في تعليم أبنائنا والخروج من الصندوق قليلا.
النقد يكون للأفكار الجديدة، ولأصحاب القلوب الجريئة وللرّواد في أي مجال.
لذلك عندما ينتقدك أحد لتعليمك أبنائك في المنزل، ابتسم بهدوء وقل لنفسك بأنك صاحب رؤية جديدة، مؤمن بها وتطبقها على أرض الواقع، ذكر نفسك بأن التعليم المنزلي نمط حياة متكامل، وهذا ما يناسبك ويناسب أسرتك، ولا تهتم لما يقوله من لا يناسبه التعليم المنزلي، فلكلٍ حياته.
2. تعرّف على نية السائل أو المعلِق، وبالتالي ستعرف كيف ترد عليه
من خلال تجربتي في كيفية التعامل مع منتقدي التعليم المنزلي، تعلمت كيف أتعرف على نوايا السائل قبل أن أرد عليه، وإذا لم يكن الأمر واضح، أسأل بكل صراحة ” ماذا تقصد بسؤالك؟” واجعلهم يتكلمون أكثر لأعرف ما هو الهدف من نقاشهم. مع الوقت تعلمت كيف أصنف الشخص الذي أمامي إلى أحد هذه الأنواع:
النوع الأول: هو من يسأل بجدية وحسن نية (وهم الأغلب) ويريد أن يعرف المزيد عن التعليم المنزلي، وخصوصاً إذا كان شخص متذمر جداً من التعليم النظامي ويحاول أن يبحث عن حلول.
هذا النوع من السائلين أعره اهتماماً خاصاً، ولا تنسى يوما من الأيام أننا كنّا في مكانه نسأل غيرنا عن التعليم المنزلي. كن مستعداً بأن ترد على كل الاستفسارات، وأن تعطيه المجال للتواصل معك لاحقاً. وحتى إن لم يكن شخص يفكر في التعليم المنزلي، على أقل تقدير أشرح له ما هو التعليم المنزلي بكل وضوح واجعل مجال التواصل مفتوحاً معه، لأنه قد يربطك بشخص آخر يفكر في التعليم المنزلي.
النوع الثاني: هو من يسأل بجدية وحسن نية، ولكن مهما شرحت له فلن يفهمك! في الغالب هذه الفئة هم أقاربنا وأحبابنا كبار السن، من تصل أعمارهم فوق الـ 70 أو 80 سنة. كن لطيفاً معهم وحاول أن تطمئنهم بأن كل شيء على ما يرام، وأن لا يقلقوا أبداَ!
من الطرائف أن جدتي – حفظها الله وأطال في عمرها – سمعت من أحد أقاربنا بأن بناتي لا يذهبن إلى المدرسة (كان ذلك في بداية رحلتنا في التعليم المنزلي)، ويبدو أن هذا القريب علق أو انتقدنا أمامها مما أثار خوفها، وعند مكالمتي لها أصبحت تنصحني – عبر البحار والمحيطات – بأن بناتي يجب أن يذهبن للمدارس وأن يتعلمن كيفية مسك القلم وكتابة أسمائهن! فطمأنتها بأنهن يعرفن ذلك، بل وكذلك يتعلمن باللغتين العربية والإنجليزية، ففرحت بذلك، ولكنها مازالت لم تفهم ما هو هذا الشيء الذي يسمى ” تعليم منزلي”!
النوع الثالث: هومن يسأل باستهزاء وسوء نية، وهم قلة ولله الحمد، ولكن يبدو وكأنهم موجودون أينما ذهبنا!
هذا النوع من البشر أحب أن أتسلى بهم كما يحبون أن يتسلوا بي!😈 في الماضي كنت أناقشهم بجديّة ولكن دائماً أجد نفسي بأني دخلت معهم في جدال عقيم. لذلك تعلمت كيف أرد عليهم وأنا “مبردة أعصابي”. هنا إجابات لأسئلتهم وتعليقاتهم المعتادة التي يقذفون بها دون انتظار أي إجابة أو شرح منك.
استعمل ما شئت منها وتفنن في غيرها، لكن كن حذراً واستعملها على مسؤوليتك الشخصية!
3. تذكر بأنك سفير التعليم المنزلي
شئت أم أبيت، فأنت وأسرتك وأبنائك ونمط حياتك يثير الاهتمام لدى الجميع. أنت تمثل ملايين الناس الذين سلكوا درب التعليم المنزلي (يوجد في أمريكا وحدها، حسب إحصائيات سنة 2016، 2.3 مليون طالب متعلم منزلياً، هذا غير المتعلمين منزلياً في باقي أنحاء العالم).
لذلك ما تقوله عن التعليم المنزلي وكيف تقدم نفسك للغير يؤثر على كيفية رؤية الغير للتعليم المنزلي.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أنه يجب أن تكون إيجابياً في تعاملك مع الذي أمامك كما ذكرنا، وأن تتحلى بالصبر، وأن تذكر إيجابيات التعليم المنزلي، ومزاياه، والحرية التي يشعر بها أبناءك خارج جدران المدارس.
أن تعلم أبنائك كيف يقدموا أنفسهم بدون خجل أو خوف، وأن يشرحوا للسائلين لماذا هم يدرسون مواضيع مختلفة عن المقررات المدرسية، أو لماذا هم مهتمين بالموضوع الفلاني وماهي الكتب التي يقرؤنها عنه، وأن يفخروا بأنهم يتعلمون منزلياً، فهذا النمط من الحياة هو ـ في نظري المتواضع ـ من نعم الحياة التي يتمناها الكثير.
عندما يرى الأهل والأقارب والأصدقاء تمثيلك الصحي للتعليم المنزلي، والنتائج الأولية لعملك الشاق في بناء أبنائك، وعندما يأتي ابنك ويناقش غيره في مواضيع “كبيرة” ويفصح أنه تعلمها من كتبٍ قرأها…
حينها تبدأ الآراء تتغير، ونظرة الشك تتحول إلى نظرة رضا وإعجاب، وحينها تكون قد أديت مهمتك كسفير للتعليم المنزلي، وتبدأ الأسئلة الاستشارية تنهال عليك من كل حدبٍ وصوب!
4. اطلب الانتظار من منتقديك حتى تظهر النتائج (الأمر سيستغرق عدة سنوات على الأقل!)
الآراء تبقى آراء، والنظريات تبقى نظريات، ونستطيع أن “نتفلسف” على بعضنا إلى ما بعد مئة عام ولن يكون لذلك فائدة إذا لم تُدعم هذه الآراء والنظريات بتطبيق عملي مدروس!
أصحاب الآراء المناهضة للتعليم المنزلي يستندون في آرائهم على الواقع العملي الذي طُبق منذ أكثر من قرن بعد اعتماد التعليم النظامي في معظم دول العالم. لكن أصحاب الآراء الداعمة للتعليم المنزلي – في عالمنا العربي – لا يوجد لهم تجارب حية وخبرات طويلة وأمثلة واقعية إلا ما ندر، فكل ما يستندون إليه هو نتائج الغرب في التعليم المنزلي، وسوء التعليم النظامي في العالم العربي.
لذلك عند مناقشة أي منتقد للتعليم المنزلي دائماً أقول أنه ليس من العدل مهاجمة التعليم المنزلي وادعاء فشله ” الذريع” و”خطورته” دون الاستناد إلى دراسات وتجارب واقعية و طويلة المدى، بل يجب انتظار النتائج وعدم التسرع في تبني آراء الرفض التام فقط لأن فكرة التعليم المنزلي جديدة على المجتمع ولا تروق للبعض.
من السهل بمكان ادعاء أي شيء، ولكن من الصعب إثبات هذا الادعاء، فمن ادعى بأن التعليم المنزلي فكرة فاشلة وخطيرة على المجتمع (سمعت هذه التعليقات السلبية من بعض المنتقدين عبر السنين!) عليه اثبات ذلك، وإلا فلينتظر حتى ننتهي نحن – أصحاب الرأي المخالف – من إثبات جدارة التعليم المنزلي، ونتائجه وما آلت إليه الأمور.
5. التأكيد بأن قرارات أسرتك تخصكم وحدكم ولا تخص السائل أو المعلق
مع تأكيدنا على الإيجابية والتحلي بالصبر والتمثيل الصحي للتعليم المنزلي، إلا أن هناك أوقات يجب فيها رسم الخط الفاصل بين النقاش البناء وبين التدخل السافر والمزعج – خصوصا من الغرباء – في قراراتنا الشخصية وكيفية تربية وتعليم أبنائنا.
ومع تأكيدنا على الانفتاح في التواصل مع من يرغبون في معرفة المزيد عن التعليم المنزلي، إلا أن هناك أشخاص يجب أن نوقِفهم عند حدهم ومنعهم من التهجم علينا والتشكيك في قراراتنا واختياراتنا ونمط حياتنا.
حين يحتدم النقاش وتبدأ تشعر بأن الشخص الذي أمامك قد تعدى حدوده في تعليقاته السلبية وأن النقاش معه أصبح عقيم، أُطلب منه وبصريح العبارة أن يحترم رأي أسرتك وخياراتكم وألا يتدخل فيما لا يعنيه. ردة الفعل لن تكون مبهجة أبداَ وقد يتم وضعك في “القائمة السوداء”😱، لكن هذا ما يجب فعله حتى تضمن حماية حدودك وعدم التعدي على خصوصياتك.
مع مرور الوقت وثباتك – إن شاء الله – ومع تزايد خبرتك في التعليم المنزلي، سيتقلص الانتقاد تدريجياً إلى أن ينعدم تماماً.
فمن كان ينتقدك سيصبح من المشجعين على التعليم المنزلي، ومن كان يستهزئ بك ستفرض عليه احترامك، ومن مازال مصرا على رأيه، فسيفقد الأمل فيك.
الأمر ليس سهلاً ويحتاج إلى الكثير من الصبر والنفس الطويل.
نصيحتي لكل من يمر بهذه المرحلة: لا تلتفت إلى المنتقدين، وجه كل اهتمامك ونشاطك وطاقتك في تعليم وتربية أبنائك، فهم أحق بهذا كله من غيرهم، وهم من تكافح من أجلهم.
بارك الله في وقتك وجهدك وعملك وعلمك
شكرا على هذه التوكيدات و النقط المهمة التي أنا في حاجة ماسة لها
وشكراً على مرورك وتعليقك.
نعم نظرة المجتمع والتعامل مع تعليقات الناس من الأمور التي لا يتكلم عنها أحد حتى في المدونات والكتب الإنجليزية إلا نادراً.
موضوع يحتاج إلى الكتابة فيه مجدداً ولكن في وقتٍ لاحق إن شاء الله.
تحياتي 🌸