سنتكلم اليوم عن 3 نصائح في كيفية إنشاء مجموعات التعليم المنزلي لان الكثير من الإيميلات والتعليقات التي وصلتني في الأيام الماضية تطرقت في مضمونها إلى الشعور بالوحدة والخوف من عدم القدرة على تعويض الأبناء اجتماعياً إذا لم يذهبوا للمدرسة، وأن الكثير لا يعرف إن كان هناك متعلمين منزلياً في مدينته أصلاً.
وبما أن هذا الموضوع لم يتطرق إليه أحد في العالم العربي، فشعرت بضرورة التدوين فيه ومشاركة تجربتنا بهذا الخصوص.
سأتكلم في هذه المقالة عن تجربتي في إنشاء مجموعة تعليم منزلي في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، والتي كانت تجربة ناجحة فاشلة!
ثم سأتكلم في هذه المقالة بشيء من التفصيل عن الخطوات التي اتخذناها في إدارة هذه المجموعة، مع نصائحي لكل خطوة لتفادي الأخطاء التي وقعنا فيها (أنا والأمهات الأخريات معي) وعدم إعادة اختراع العجلة من جديد (تعبير إنجليزي ولكن أحب أن استخدمه حتى بالعربي 😊).
لماذا نحتاج إلى مجموعة تعليم منزلي أساساً؟
إذا نظرنا إلى طبيعة البشر في الغرب والشرق، نجد أن الكل يبحث عمن يشبهه.
في الغرب تجد الجالية الصينية لهم مدارسهم، مطاعمهم، معابدهم، مناسباتهم التي يجتمعون بها. نجد نفس الشيء مع الجالية الهندية، مع الجالية الروسية، الإيطالية، اليونانية، ومع العرب والمسلمين كذلك.
وفي البلدان العربية، نجد الأجانب يبحثون عن بعضهم كذلك. الناطقون باللغة الإنجليزية (سواء كانوا مسلمين وغير مسلمين) يبحثون عمن يتحدث الإنجليزية، الفرنسيون يبحثون عن نوعهم، اليابانيون منغلقون ومكتفون بأنفسهم، وهكذا مع كل المجموعات.
الكل يبحث عمن يشبهه.
لماذا؟
لأننا نحن البشر مخلوقات اجتماعية. لا نستطيع أن نعيش في عزلة، ونفضل أن نحتك بمن يتشابه معنا في القيم والدين والأخلاق واللغة وكذلك التفكير والطباع.
نحتاج الدعم من بعض عند الشعور بالإحباط، أو في حالات الطوارئ، أو عندما نمر بفترات الشك وعدم الثقة بالنفس. ونحتاج أن نشارك غيرنا فرحتنا ونجاحنا وكذلك خبراتنا، وأفكارنا و نصائحنا. نحتاج إلى من يفهمنا ويقدرنا!
هكذا هي طبيعة البشر.
والأمر كذلك لا يختلف مع المتعلمين منزلياً. فنحن كذلك نبحث عمن يشبهنا في جنوننا 😜، ونحتاج من يدعمنا في مشوارنا ويشاركنا تجربته ونصائحه وإبداعاته.
تجربتنا في إنشاء مجموعة تعليم منزلي في الرياض
بعد مرور سنتين من بداية تعليمنا المنزلي، بدأ الأبناء يكبرون، وأصبح لهم احتياج اجتماعي خاص ومحدد.
نعم كنا نسكن في مجمع سكني مليء بالأطفال وكانوا يلعبون في الخارج وتحت الشمس الحارقة يومياً، لكن هذا لم يعد يكفيني أو يرضيني.
كان عندي رغبة في التوسع أكثر وفي اللقاءات مع المتعلمين منزلياً والقيام بنشاطات جماعية تجمع أطفالنا معاً، كان هناك احتياج نفسي لأبنائي بأن يشعروا أنهم طبيعيون حين يرون غيرهم لا يذهب إلى المدرسة.
قمت بإنشاء مجموعة على الياهو (Yahoo Groups) في أكتوبر 2009. كانت مجموعات الياهو رائجة جداً في ذلك الوقت، قبل أن يطغى الفيس بوك وينهي أمرهن!
كانت هذه المجموعة بالنسبة لي أشبه بصنارة لاصطياد المتعلمين منزلياً، إن كانوا موجودين أصلاً.
مرت سنة كاملة -إلى أكتوبر 2010- حتى جاءني إيميل يطلب الاشتراك. سنة كاااااملة انتظار، لدرجة أني نسيت بأنني قمت بإنشاء هذه المجموعة!
تبين بعد ذلك بأن الأخت التي اشتركت أمريكية تعلم منزلياً وتبحث عن غيرها. بعدها قالت لي أن هناك مجموعة أخرى على الياهو، لماذا لا نعلن عندهم عن مجموعتنا. وكانت تلك المجموعة مشهورة في أوساط الأخوات المسلمات الناطقات باللغة الإنجليزية، فقلت لما لا. ومن هناك بدأت الاشتراكات تتوالى، حتى وصلت إلى أكثر من مئة مشتركة عندما تركتها.
الخلاصة أن مجموعتنا جمعت أمهات رائعات، خبيرات، مبدعات، شاركن في إنشاء العديد من البرامج والنوادي وورش العمل واللقاءات الاجتماعية.
ثم تفرعت من مجموعتنا مجموعات دعم أخرى قادتها أمهات معلمات منزلياً عن الصحة الجسدية و النفسية، وعن الولادة الطبيعية والرضاعة الطبيعة (وهذا ينسف “خرافة” أن المتعلمين منزلياً منعزلين عن المجتمع، بل هم قادة المجتمع!💪).
ثم تطور الأمر حتى تم ضم المجموعة تحت مؤسسة خيرية في الرياض لفترة محدودة.
واجهت هذه المجموعة العديد من التحديات، لكن بالمجمل نجحنا في خلق بديل لأطفالنا.
نجحنا في ملء جداولنا بكل هذه النشاطات، نجحنا في إرهاق أزواجنا بالتوصيل والذهاب والإياب في طرقات الرياض المزدحمة. نجحنا في تكوين مجتمع صغير تطور إلى علاقات اجتماعية وصدقات قوية وطويلة المدى بين الأمهات والأطفال كذلك.
ولكن مع هذا كانت تجربة فاشلة! وسنتكلم عن الأسباب في هذه المقالة.
فيما يلي خطوات ونصائح في كيفية إنشاء مجموعة تعليم منزلي لعلها تساعدكم في تجربتكم، خذوا منها ما يفيدكم ويقنعكم، واتركوا الباقي.
3 نصائح في كيفية إنشاء مجموعات التعليم المنزلي
الأخذ بالمبادرة وعدم التردد أو الإستسلام
البداية تكمن في وجود حاجة ورغبة، الإثنين معاً. وكما يقول المثل: الحاجة أم الاختراع.
فإن كانت لك حاجة فستعمل على تحقيقها، وإذا كان لفلذات كبدك حاجة، فبدون شك ستستميت لتوفيرها. وإن كانت لك رغبة فلا مستحيل مع العزم.
قد يتبادر إلى أذهان البعض أنه لا فائدة من إنشاء مجموعة لأنه لا يوجد أحد في مدينته (تماماً كما كنتُ أعتقد)، أو لأنه لا يعرف أحد ويبدأ يشعر بالإحباط (كما كنت أشعر).
لكن الواقع غير ما ترسمه لنا أذهاننا. وقد يكون الواقع أفضل بكثير مما نتوقع!
عندما كنت أعتقد بأنه لا يوجد أحد غيري في مدينة الرياض لأشاركه جنوني😁، كان هناك عدد لا بأس به يضن نفس الشيء. وعندما كنت أعتقد بأنه لا يوجد أحد عربي يعلم منزلياً، تعرفت على صاحبة مدونة سوبر حوا الشهيرة أم عبد الله (وما أدراكم ما أم عبد الله! حب في الله من أول لقاء😍)، واكتشفت من خلالها بأن هناك عدد هائل من العرب المهتمين بالتعليم المنزلي.
لذلك أول خطوة هي عدم التردد، والمحاولة، واقناع نفسك بأنك لن تخسر شيء أبداً. كل ما عليك فعله هو إلقاء صنارتك والانتظار لما قد يعود.
استغل التقنية الحديثة، ومنصات التواصل الاجتماعي.
أسس صفحة أو مجموعة أو إعلان أو منتدى أو أي شيء، يمكن لغيرك البحث عنه في محركات البحث كقوقل، وتأكد من ذكر شيئين رئيسيين في اسم مجموعتك: اسم مدينتك حتى يتبين للباحث من اللحظة الأولى أن مجموعتك لها مكان جغرافي محدد وأنها ليست مجموعة أنترنت عامة (وإن كان ذلك سيفيد أيضاً).
والشيء الثاني اذكر أنها مجموعة تعليم منزلي، أو تعليم بيتي، باللغة العربية أو حتى بالإنجليزية، أو الإثنين معاً. كل هذا يسهل على محركات البحث للوصول إليك في حال بحثت عنك أسرة معلمة منزلياً.
إيجاد طريقة تواصل
بعد أن تتكون مجموعة بسيطة من المتعلمين منزلياً، يجب اختيار طريقة تواصل يتفق عليها الجميع.
في الوقت الحالي أصبح هذا الأمر سهلاً جداً بسبب كل هذه التقنية التي تمكنا من الاتصال والبقاء على اتصال بصفة دائمة. يمكن إنشاء قائمة بريدية أو مجموعة على الواتس آب، أو الفايبر، أو على أي منصة أخرى من منصات التواصل التي تتفقون عليها.
تكون هذه القائمة أو المجموعة مكان للإعلان عن كل لقاء، اجتماع، نشاط، مكان لأخذ الآراء أو التصويت، وغيره من الأمور.
أعتقد أن هذه النقطة بديهية، ولا داعي للإطالة😊.
نصيحة مهمة: بما أن الأنشطة والبرامج في غالب الأحيان سيكون بها أطفال صغار وأمهات، فلا تعلنوا عن عناوين لقاءاتكم أو أرقام هواتفكم على الملاء. بمعنى أنه إذا قمت بإنشاء صحفة عامة على الفيس بوك مثلاً للبحث عن أسر تعليم منزلي في مدينتك، انتقل بعدها لمجموعة مغلقة آمنة لضمان سلامة الجميع.
إيجاد مكان للاجتماع به
في البداية، سيكون عددكم قليل، وستكون لقاءاتكم في الغالب إما في المنازل، أو الحدائق العامة أو أي مكان تتفقون عليه. والنشاطات ستكون بسيطة ويمكن توفير كل مستلزماتها من مقتنياتكم الشخصية.
هكذا كنا في البداية. بدأنا في منازلنا بصفة دورية، بأعداد قليلة، ثم بعد ذلك زاد عددنا، ثم زاد، ثم زاد… وأصبح من المستحيل أن نجتمع في بيوت صغيرة ككل.
لكن في نفس الوقت فإن من مزايا مجموعات التعليم المنزلي الكبيرة هو أنه يمكن تقسيم الأعضاء إلى مجموعات فرعية منضمّة لنشاطات مختلفة تجتمع في أوقات مختلفة، وبهذه الطريقة يمكن تفادي الازدحام الشديد، أو أن تقع صاحبة البيت في ورطة تنظيف ما بعد “العاصفة”!
وعندما يكون هناك لقاء للمجموعة ككل، مثل أن يكون لقاء أول السنة (بعد رجوع الجميع من الإجازات)، أو لقاء آخر السنة الدارسة (مع أننا معلمون منزلياً ولا أعرف لماذا كنا نقوم بذلك، وكأن شبح النظام المدرسي يلاحقنا!)، أو لأي سبب آخر، فإننا كنا نستأجر استراحة ونشترك في دفع إيجارها.
حاولوا أن تجدوا مكان كبير للاجتماع به كمركز إسلامي (إذا كنتم في الغرب) أو مؤسسة خيرية تتبرع لكم بمبناها من حين لآخر، أو مدرسة تستقبلكم في الإجازات، فهذا سيكون رائع جداً، وسيعطي للمجموعة دفعة قوية في إنشاء المزيد من النشاطات والتوسع أكثر فأكثر.
من التحديات التي واجهتنا في الرياض عدم القدرة على التوسع في النشاطات وفتح الباب لغير المتعلمين منزلياً (كانت هناك رغبة قوية لكثير من الأسر التي يذهب أبناؤها للمدارس بالانضمام إلينا👍) ووصل الأمر بأن أصبحت لدينا قوائم انتظار لعدم قدرتنا على استيعاب هذا العدد الكبير!
لذلك فإن موضوع إيجاد مكان للاجتماع لن يشكل مشكلة في البداية، ويمكن تدبر الأمر بسهولة، لكن عندما تشعرون بأن العدد بدأ يتزايد، فمن الأفضل البدء بالتفكير في إيجاد مكان كبير مناسب للنشاطات التي تودون تنفيذها، خصوصاً إذا كان من مخططاتكم برامج رياضية تحتاج إلى أمكنة واسعة.
بعد أن تتكون مجموعة صغير و تبدأ تكبر شيئاً فشيئاً، يبدأ التفكير في كيفية إدارة هذه المجموعة بطريقة مريحة وسلسة للجميع. هنا سنتكم عن 6 نصائح في إدارة مجموعات التعليم المنزلي، وكذلك عن سبب فشل مجموعة التعليم المنزلي في الرياض.