تكلمنا في المقالة السابقة عن التنظيم والتخطيط في التعليم المنزلي، التي كانت أشبه بمقدمة لهذا الموضوع المتشعب والمهم. ذكرنا في المقالة أن مهارات التنظيم والتخطيط لا تأتي فجأة و إنما هي نتاج تدريب و تعويد وخبرة، بل وصفناه بأنه رحلة كذلك، تماماً كرحلة التعليم المنزلي. ذكرنا كذلك بأنه سيتم تقسيم هذا الموضوع إلى عدة مقالات، و هذه المقالة هي الأولى: التنظيم و التخطيط مهارة مكتسبة.
قبل أن نبدأ في الشروع في كيفية التنظيم وكيفية صنع منظمات خاصة بنا، أود أن أنبه على بعض النقاط حتى لا نقع في فخ التوقعات الغير منطقية لأن التنظيم والتخطيط مهارة مكتسبة بالدرجة الأولى، وليست مهارة نولد بها كما يظن البعض.
ماذا أعني؟
أعني أن كل من هم “منظمين” في الواقع لم يولدوا كذلك. نعم هناك من عنده قابلية أن يكون منظم أكثر من غيره، لكن في نظري التنظيم مهارة مكتسبة مثلها مثل أي مهارة مكتسبة أخرى، لا نولد بها، ولكن نستطيع أن نكتسبها تدريجياً مع تمرين أنفسنا ومع الأدوات الصحيحة.
التنظيم والتخطيط يكون في كل مجالات الحياة، في التجارة والعمل، في الدراسة والأبحاث، في السياسة (أعتقد من أسباب إخفاق العالم العربي في السياسة قلة خبرتهم في ترتيب الأولويات ودراسة الأمور!).
لكن نحن على هذه المدونة لن نتطرق إلى عظام الأمور!
فمن نحن؟ نحن مجرد ربات بيوت! (😉واللبيبُ بالإشارة يفهمُ)
نحتاج إلى مهارات التنظيم والتخطيط لحل مشاكلنا اليومية المنزلية والسيطرة على حياتنا فقط لا غير، والشعور بالإنتاجية وبالتالي بالرضا عن النفس والسعادة النفسية!
ولكن هذه المهارات تأتي بالتدريج والتمرين، ولا تتطور فجأة كما يعتقد البعض.
في هذه المقالة سنحاول أن نكتشف احتياجاتنا وقدراتنا، وكذلك سنحاول تحديد نمط تنظيمنا لكي ننجح في تنظيم حياتنا بأكثر إنتاجية ممكنة وبأقل جهد ممكن، ولكن يجب أخذ في الاعتبار هذه النقاط أولاً وتذكرها دائماً:
النفس تكره الإجبار وتمل الروتين
الكثير يخطط ويكتب في منظمته ولكن على أرض الواقع لا يحقق شيء! يبدأ بنشاط ومثابرة وينتهي به الأمر إلى التسويف والتأجيل.
وهذا شيء طبيعي يحدث لنا جميعاً وأولكم أختكم في الله! نمر براحل كسل ومراحل نشاط على فترات المتفاوتة.
الهدف من التدريب على التنظيم هو معرفة ودراسة مزاجنا النفسي و انشغالاتنا، واستثمار فترات النشاط التي نمر بها بأكبر قدر ممكن، ثم ندرب أنفسنا على تمديد هذه الفترات إلى أطول قدر ممكن.
ويجب كذلك أن نضع ضمن تخطيطاتنا أيام “الكسل” حتى نعطي أنفسنا مجال للراحة النفسية (والجسدية كذلك).
التوقعات غير المنطقية عندما نبدأ في التخطيط
إذا كنتم تعتقدون بأن إذا بدأنا في التخطيط فإن بيوتنا ستكون كصور البيوت في المجلات، أو أن الثلاجة ستكون كهذه الثلاجة المنظمة النظيفة المبهجة…
وأن الأولاد سيكونون منظمين ومؤدبين ومرتبين وجالسين بهدوء دون أدنى صوت، وأن الأزواج سيكونون رومانسيين ومتعاونين ومتفاهمين، بل ويغسلون الصحون وينظفون مراحيض الحمامات كذلك…. فهذا كله حلم رائع وجميل يجب أن نستيقظ منه (للأسف 😭).
كل هذا لن يحدث مع التخطيط والتنظيم، لأنه ليس واقع!
ما هي التوقعات الواقعية التي يمكن أن نصل إليها إذاً؟
الواقع الذي نريد الوصول إليه هو تكوين مهارات تمكنا من التعامل مع حقائق الحياة الغير ممتعة، وأن نحقق 50 – 70 % مما نخطط له، وأن نضع ضمن تخطيطنا مجال للفشل في تحقيق الأهداف.
هذا هو الواقع الذي يجب ان نصل إليه.
من أستطاع أن يحقق أكثر من ذلك فهنيئاً له وأتمنى أن يستمر، ومن لم يستطع أن يحقق ذلك، فهذا جيد لأنه أعطاك فرصة لتكتشف نفسك وقدراتك وتخطط في المرة القادمة بواقعية أكثر تتماشى مع ما تستطيع تحقيقه.
كما قلت لكم في هذه المقالة، التخطيط والتنظيم لا يأتي فجأة، وإنما هو رحلة اكتشاف الذات. هذه الرحلة أخذت مني عدة سنوات من التجربة والمحاولة، إلى أن وصلت إلى ما يتماشى مع قدراتي و نظام حياتي ومزاجيات كسلي!
اختلاف الاحتياجات
لسنا سواء!
كأفراد، فنحن لدينا احتياجات وأهداف خاصة تميزنا عن غيرنا. ما ينجح في تجربة هذا الشخص، قد لا ينجح مع الثاني لأن الاحتياجات مختلفة.
مثلاً إذا كنت تحتاج التنظيم والتخطيط في إدارة شؤون تجارتك، فبالطبع لن أفيدك كثيراً على هذه المدونة.
أما إذا كنت تحتاج إلى التنظيم والتخطيط لإدارة شؤون البيت (الذي أصبح بمثابة شركة لها ميزانية وموظفين وسياسات وقوانين)، وإذا كنت تحتاج إلى تنظيم العملية الدراسية ونشاطات التعليم المنزلي وغيرها من الأمور في رحلة تعليمكم المنزلي، فأنت في المكان الصحيح.
ومع هذا فنحنُ لسنا سواء كذلك!
حتى تحت المضلة التي تجمعنا (تعليم منزلي وتدبير منزلي) هناك اختلافات كثيرة جداً بيننا. ما ينجح معي قد لا ينجح معك. كل بيت له نمط معين وأهداف معينة و “جو” خاص به يميزه عن باقي البيوت. لذلك دائماُ أقول خذ مني ما يناسبك وتقتنع به واترك الباقي.
أنا شخصياً – على سبيل المثال – من النوع الذي لا يحتاج إلى جدول يومي يحدد لي أعمالي بالساعة والدقيقة. فقط جدول أسبوعي يفي بكل ما أريد أن أقوم به.
لكن غيري قد يحتاج إلى جدول يحدد فيه ساعة استيقاظه وساعة فطوره، وساعة الاستحمام، وكم دقيقة سيستغرق ذلك، وساعة البدء في أعماله. بل يضع ضمن جدوله حتى ساعات الصلاة وغيرها من الأمور الروتينية.
إذا كنت تشعر بأنك تحتاج إلى هذا النوع من التنظيم فهذا رائع. لأنه سيمنحك الشعور بالسيطرة على الأمور (حسب ما قيل لي من بعض الأخوات الآتي يفضلن هذا النوع من الجداول).
أما بالنسبة لي، فهذا النوع من الجداول يصيبني بالإغماء والضغط النفسي😓. فاحتياجاتي هي أن أُسس جدولي على روتين معين، بغض النظر عن الساعة التي يبدأ بها هذا الروتين.
فمثلا: عندي قائمة من الأعمال التي يجب أن أنجزها في اليوم، قد أبدأ الساعة 7 صباحاً بتنفيذها(…لحظة…لماذا أكذب عليكم؟ أنا أبدأ الساعة السابعة صباحاً؟؟؟!!!). وأنهي هذه القائمة من الأعمال خلال النهار دون أن أنظر للساعة.
وصلت إلى معرفة طبعي وقدرتي الإنتاجية من ناحية التنظيم بعد محاولة كل طريقة والنظر إلى ما يتلاءم مع طبعي ومزاجي. وهذا ما تحتاجون للقيام به حتى تكتشفوا أنفسكم إذا كنتم غير متأكدين من احتياجاتكم ونمط تنظيمكم.
كيف؟
استمر بقراءة هذه المقالة للنهاية!
اختلاف القدرات الجسدية
عندما نتكلم عن التدبير المنزلي، فهناك فرق شاسع بين امرأة وأخرى من ناحية القدرة الجسدية في إتمام أعمال البيت.
هناك من تستطيع أن تحضّر صنوف الطعام الشهية وتنظف البيت وتغسل الملابس وغيرها من الأمور المنزلية كلها في يوم واحد، وترتاح باقي الأسبوع (أذا استطاعت الراحة أصلاً مع الأولاد).
هذا النوع من التنظيم والتخطيط يحتاج إلى قدرة جسدية حتى نقوم بكل هذه الأعمال دفعة واحدة.
وهناك من تفضل أن تقوم بشيء واحد كل يوم وتوزع الأعمال المنزلية على أيام الأسبوع حتى تستطيع أن تنجز كل شيء دون الشعور بالتعب والإرهاق.
قبل أن تبدأوا في التخطيط، وحتى لا تشعروا بالإحباط من عدم انجاز ما خططتم له، اسألوا نفسكم:
ما هي قدراتي؟
ما أستطيع أن أقوم به؟
ما هو الأفضل لي ولجدولي ولبرامج الأسرة ككل؟
ما الذي أشعر بالقيام به، وما هو اليوم الذي أريد أن أمارس فيه حقي في الكسل؟ 😁
ثم جربوا (إذا لم تجربوا من قبل) وضع قائمة أعمال أو مهام يومية أو أسبوعية ثم البدء في تنفيذها. (تابع للأسفل لتحصل على جدول تنظيف أسبوعي مجاني).
التنظيم والتخطيط مهارة مكتسبة
البدء بتخطيط أشياء بسيطة
الوجبات الأسبوعية
حين نتدرب على التنظيم – كما هو الحال في التدريب في أي مجال – يجب أن نبدأ بأشياء بسيطة ثم التطور إلى ما هو أصعب.
ما هو أبسط (وفي بعض الأحيان أصعب) شيء في حياتنا الروتينية الذي يمكن أن نتدرب عليه؟
ما هو السؤال اليومي (الممل) الذي نسأله لأولادنا وأزواجنا وغالباً لا يفيدوننا بشيء؟
“ما هو الغداء؟ ماذا نطبخ اليوم؟”
لا تتخيلوا كم أجد صعوبة في روتيني اليومي من هذا السؤال؟ يعيق كل تحركاتي ويصعّب مخططاتي. لذلك أفضل شيء نبدأ به هو التدرب على جعل هذا “الواجب” اليومي “أرنب تجارب” نتدرب عليه في فهم نمط وطراز تنظيمنا.
قمت بإنشاء هذا الجدول الأسبوعي لتنظيم وجبات الأسبوع. ليس هذا فحسب، بل أضفتُ إليه قائمة للتسوق لكتابة كل نواقص ما تم التخطيط له. (رابط التنزيل أسفل الصفحة)
كم منا تقرر أن تطبخ شيء معين، ثم تكتشف بعد أن تبدأ بأنها ينقصها هذا المكون أو ذاك!! 😖
لذلك من الأشياء التي سهلت عليّ حياتي كثيراً هو أن أجمع بين قائمة الواجبات وقائمة التسوق. أن يترافقا جنباً إلى جنب، أحدد ما سنأكله (بعد استشارة القوم الجائعة) ثم أكتب ما ينقصنا على قائمة التسوق، ونذهب للسوق في عطلة نهاية الأسبوع ونحْضر كل حاجياتنا لهذا الأسبوع، ثم نعيد الكرة الأسبوع الذي بعده.
هذه الطريقة لم تكن مفيدة في السيطرة على هذا الروتين فحسب، بل لاحظت أيضاً أنه بعد مدة، لم يعد يفسد شيء في الثلاجة من خضروات وفواكه، بل نستهلك كل ما نشتريه لأنه كان ضمن الخطة الأسبوعية للوجبات. وبالطبع فهذا يوفر علينا المال كذلك لأننا نشتري ما نحتاجه فقط ولا نشتري أشياء قد لا نحتاجها وتفسد قبل أن نستهلكها. نقطة مهمة يجب أخذها في الاعتبار.
الأعمال المنزلية الأسبوعية
إضافةً إلى الطبخ وما يتبعه من عمل في المطبخ، فنحن كذلك لدينا مسؤوليات منزلية أخرى خارجه. هي كذلك مسؤوليات روتينية تتكاثر سريعاً وتخرج عن السيطرة إذا لم “نقف على رأسها” كما نقول.
قمتُ بتصميم هذه القائمة الأسبوعية للتنظيف وباقي الأعمال المنزلية، وقمت بتصميمها بحيث يوجد بها قسم للتنظيف اليوم، وقسم للتنظيف الأسبوعي. لم أضف يوم الجمعة بها لأنه يوم الإجازة وأنا شخصياً لا أحب أن أعمل في هذا اليوم، لكن يمكن شطب وتغير الأيام بما يناسبك.
استعمل هذه القائمة هذا الأسبوع وجرب معها وضع أهدافك المنزلية وحاول أن تكتشف نمط تنظيمك. هل تفضل الجدول الأسبوعي؟ أم الجدول اليومي المفصل بالساعة والدقيقة؟ مثل هذا:
إذا كانت تفضل الجدول اليومي، فستحتاج إلى طباعة 7 نسخ منه لكل يوم في الأسبوع. جرب استعماله وحاول أن تتعرف على نمط تنظيمك.
الخلاصة
قبل أن نبدأ في إنشاء وطباعة منظماتنا المنزلية، يجب علينا أن “نتدرب” على التنظيم و “نعود” أنفسنا عليه، ونحدد قدراتنا واحتياجاتنا وما يناسبنا من طرق التنظيم.
ثم بعد ذلك حين يحين الوقت لتصميم المنظمة، نكون قد وفرنا على أنفسنا عناء طباعة وتغليف منظمة لا تنفعنا، بل نتحسر كلما نظرنا إليها لما خسرناه من أوراق وحبر وجهد في صناعتها.
في المقالة التالية سنتكلم عن أنواع المنظمات وطرق تغليفها وما هو أنسب طريقة تغليف تليق بك، بعد أن نسرد مزايا وعيوب كل طريقة. يرجى الاشتراك بالقائمة البريدية ليصلك كل جديد إن شاء الله. وكذلك لا تنسوا مشاركة المقالة من خلال أيقونات التواصل الاجتماعي مع من يهمهم أمر التنظيم والتخطيط من معارفكم لتعم الفائدة.
ماشاء الله مع الكم الهائل من الفيديوهات التي شاهدتها رغبة مني في تحقيق هدفي بتنظيم الحياة المنزلية فقد قدم لي مقالك الكثير من الأمل و الواقعية بوركت جهودك وجعلها الله في ميزان حسناتك مع انتظار مقالات أخرى مفيدة
😊نعم
بارك الله في جهودك الجبارة ..والله ان قلبي ليفرح عندما اجد مثل هذه النماذج من الأمهات الصالحات التي تسعى لصلاح بيتها وأحوال العباد (امهات أمة إقرأ).دمتن متألقات جمعني الله بكن في الفردوس الأعلى.
أهلا بك أختي الكريمة،
وشكراً على كلامك المشجع!
أعجبني وصفك: أمهات أمة إقرأ. اسمحي لي بأن أستعمله يوماً ما في مقالتي. 😊
اللهم آمين.
روعه
جزاك الله خيرا يا أم يوسف نفع الله بك و بارك لك
وإياكم سهر،
سعيدة بمرورك. 🌺
انتِ رائعة جدا كتب الله اجرك
أهلاً بك أخي الكريم،
جزاك الله خير وسعيدة بمرورك على مدونتنا.
تحياتي لك.
انا سعيده جدا بوجودي معاكي
أهلا أخت حنان،
وأنا أسعد.🌸☺
قرأت هذا المقال أكثر من 5 مرات وكل مرة أستمتع وأستفيد بما فيه ..يشجعني كثيرا على الاستمرار في تعلم التنظيم والتخطيط
في انتظار ابداعاتك ودمتي بخير
جزاك الله خير ولاء.
سعيدة جداً بمتابعتك لنا. 😊
انت رائعة شكرا لك
أهلاً أماني.
سعيدة جداً بمرورك. 🌸
استمتعت جدا بالقراءة اسلوبك جميل وشيق
بارك الله فيك 💚
وإياكم 🌼
سعيدة جداً بمرورك، و أسعد أن أسلوبي قد أعجبكم، مع العلم بأن لغتي العربية “مهزوزة” بحكم نشأتي في كندا ☺
جزاك الله خيرا
شكرا لك
بوركت خطاك
بارك الله فيك.
مرورك يشرفنا 🌹
جزاك الله كل خير
لقد انرتى الطريق لى وفهمت كثير من الأخطاء التى كنت اقع بها
وإياكم.
أتمنى أن أكون قد أفدتك 🌹