رحلتنا في إنشاء غرفة تعليمنا المنزلي

كما أن التعليم المنزلي رحلة وتجربة نخوضها في الحياة، فإن كل شيء متعلق بالتعليم المنزلي رحلة كذلك يتغير و يتطور مع تطور خبراتنا، ومع تطور أعمار واحتياجات أبنائنا.  في هذه المقالة سأتكلم عن رحلتنا في إنشاء غرفة تعليمنا المنزلي، وكيف كانت هذه الرحلة في البداية عفوية وغير مخطط لها بتاتاً، إلى أن وصلنا لمرحلة أصبحت فيها غرفة التعليم المنزلي أهم غرفة في البيت – أهم حتى من صالون الضيوف!

هل نحتاج إلى غرفة تعليم منزلي لكي ننجح في رحلة تعليمنا المنزلي؟

بالطبع لا.

أكرر و أقول: لا .. لا .. لا!

لا أريد أن يعتقد بعض الآباء أنه إذا لم يكن لديهم الإمكانية في إنشاء غرفة تعليم منزلي فإنهم لا يستطيعون أن يعلموا أبناءهم منزلياً.

لا نحتاج إلى غرفة تعليم منزلي حتى ينجح أبناؤنا وتتطور مهاراتهم، ويتألق أدائهم.  أعرف أسر معلمة منزلياً خرجت أبناءها من على كنبات صالة المعيشة وطاولة المطبخ!  في نظرهم مفهوم التعليم المنزلي هو ألا يكون للتعليم التقليدي أي تأثير – حتى شكلياً – على العملية التعليمية لديهم، ولذلك تجد بعض الأسر المعلمة منزلياً ترفض تأسيس غرفة تعليم منزلي في بيوتهم.

أنا أختلفُ قليلاً…

نعم نحن لا نحتاج إلى غرفة تعليم منزلي، وعدم وجودها لا يعني بتاتاً فشل تجربة التعليم المنزلي – أتفق معهم في هذه النقطة.

لكن إذا زاد عدد الأطفال في البيت – متعلمين منزلياً ومرافقين لإخوانهم –  وزادت الكتب والمواد التعليمية وزادت كل الألعاب التعليمية المرافقة للمناهج، وزادت كل مواد النشاطات الفنية، وزادت الأوراق، وزادت الفوضى … فإننا في هذه الحالة نحتاج إلى مكان “يلم” كل شيء بطريقة منظمة وفعالة حتى تزيد الإنتاجية عندنا وتزيد المتعة قليلاً. 

لذلك إذا أمكن إنشاء غرفة تعليم منزلي – بعد أن يستقر قراركم في اتخاذ هذا النمط في الحياة وهو نمط التعليم المنزلي – فأنا أنصح بالبدء في إنشاء غرفة صغيرة، ثم التوسع بعدها بحسب الحاجة والقدرة. 

رحلتنا في إنشاء غرفة تعليمنا المنزلي

عندما أنظر للماضي، وبعد كل هذه السنوات التي قضيناها في التعليم المنزلي، ألتمس قدرة الله عز وجل في تقديره وهدايته لنا لنصل إلى ما وصلنا إليه.  عندما أنظر إلى صورنا العائلية، أشعر بأن غرفة تعليمنا المنزلي تتطور وتتغير تماماً كما يتغير الأبناء!  تكبُر ويتغير شكلها كلما مر الوقت وكلما مضينا قدماً في رحلة تعليمنا المنزلي.

البداية – صندوق بلاستيكي واحد وعلى طاولة المطبخ

عندما بدأت ابنتي الكبرى تمسك الأقلام والألوان، بدأنا نشتري لها كل ما نجده من مواد فنية، وبالطبع حتى لا تنتقل موهبتها على جدران البيت – وأتورط أنا في تنظيف لوحاتها الفنية😵 – كنا نقوم بكل نشاطاتنا على طاولة المطبخ، ثم بعد الانتهاء منها كنت أضع كل المواد والأدوات الفنية في صندوق بلاستيكي، وأرفعه فوق الثلاجة حتى لا تصل إليه على حين غفلة.

أعترف… كنتُ أماً شريرة، أحدد أوقات معينة للرسم وللمتعة، وهذه الأوقات كانت دائما تناسب مزاجي أنا وليس مزاج الفنانة الصغيرة!

كنت في ذلك الوقت حديثة عهد بالأمومة وبأمور التربية، وكنت أعتقد بأنه إن لم “أتحكم” في البيت فلن أكون ربية بيت ممتازة.  ولن يتعلم أبنائي النظام والأدب، ولن أظهر أمام الأسرة والأقارب بالمظهر اللائق!

ثم مع مرور الوقت، وبعد التعمق أكثر فأكثر في مفهوم وفلسفة التعليم المنزلي، وبعد قراءة الكثير من الكتب عن تربية الأبناء وكيفية تنمية مهاراتهم، وفتح الباب على مصراعيه لهم لتنمية مواهبهم، بدأت أغير تفكيري، وبدأت “أتعلم” كيف أكون أماً معلمة منزلياً، وأجعل المواد الفنية وكل ما يستهوي أبنائي متاحاً لهم متى شاءوا وأينما أرادوا – باستثناء صالون الضيوف طبعا!😜

رف صغير من مكتبتنا وطاولة صغيرة

رحلتنا في إنشاء غرفة تعليمنا المنزلي _سنة 2006

نحن أسرة محبة للقراءة، وعندنا في بيتنا ثلاث مكتبات، وأكثر من ألف عنوان!

لكن هذه المكتبات لم تؤسس بين عشيةً وضحاها، وإنما بدأنا في تأسيسها تدريجياً على مدى 15 سنة، خصوصا مكتبة الأطفال.

عندما بدأت كتب الأطفال تتكاثر، خصصنا مكانين في البيت لوضع الكتب فيهما، أحدهما في غرفة النوم حتى يسهل الوصول إلى الكتب لنقص عليهم قصص ما قبل النوم، أما المكان الثاني فكان في غرفة المعيشة التي كان يوجد بها مكتبة “ماما و بابا” وخصصنا لكتب الأطفال رفين صغيرين بجانب طاولة صغيرة وكرسيين صغيرين.

كانت هذه الطاولة الصغيرة مكان كل النشاطات، وكل ما نقوم به من “تعليم”.  كانت بجانب مكتبنا وبجانب الطابعة حتى يسهل علي طباعة ما نحتاجه من أوراق عمل، أو ما يريدون من صفحات التلوين الكثيرة المتوفرة على الإنترنت. 

في ذلك الوقت كنت لا أعتبر نفسي أماً معلمة منزلياً، لم أكن أتبع أي منهج، ولم أكن مقتنعة بتعليم أطفال صغار بمناهج أكاديمية منظمة.  كان كل ما نقوم به بعض النشاطات الفنية التي قد يتخللها بعض المفاهيم عن الأرقام والحروف، وبعض مواضيع العلوم.  كان كل شيء رسم وتلوين وقص وتلصيق، وكان بطريقة عفوية غير منظمة ولا مخطط لها مسبقاً، وكنت أقرأ لهم الكثير من الكتب والقصص.

تحويل غرفة معيشة صغيرة إلى غرفة مدرسية

ثم جاءت سنة 2007، وفي هذه السنة حاولنا أن نضع ابنتي الكبرى في مدرسة نظامية – كنا في ذلك الوقت في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية.  ولكن بسبب مجموعة من الأسباب قررنا سحبها من المدرسة بعد مرور أسبوعين على تسجيلها.  خسرنا بسبب هذا القرار الرسوم الدراسية التي كانت حوالي 8,000 ريال سعودي.🙈

جلسنا في البيت ننظر إلى بعض لفترة طويلة!

ماذا الآن؟

هل حقاً سنسلك هذا الطريق؟

كلما تكلمت مع ابنتي، تُشعرني بأنها حزينة لأنها تركت المدرسة، وهذا بالطبع زاد من شعورنا بالخوف والارتباك وعدم الثقة بأنفسنا.

لكن عندما دققتُ في أسباب حزنها، استنتجت أنها لا تفتقد “صديقاتها”، ولا المدرسة نفسها، وإنما كانت تفتقد الكراسي الصغيرة، والأرفف الصغيرة، والمكتبة الصغيرة، وقسم القراءة وقسم اللعب التخيلي وإلى آخر هذه الأشياء التي كانت تعجب بنتي في الفصل.

حينها بدأت فكرة تأسيس غرفة مدرسية في بيتنا “تعشش” في رؤوسنا، وبدأنا نخطط ونحسب لميزانيتها.  وأصبحنا نحاول أن نستلهم الأفكار من بعض المواقع الموجودة على الإنترنت والتي كانت شحيحة جداً في ذلك الوقت.

وبعد أن حزمنا أمرنا، اتجهنا إلى أيكيا – عشقنا الأبدي ❤– ورجعنا بفاتورة باهظة زادت من ارتباكنا بالإضافة إلى تلك الرسوم التي رفضت المدرسة أن ترجعها لنا.

هل كانت تلك الفاتورة ضرورية؟

لا بالطبع!

ولكن كأنها كانت ردة فعل لرفض المدرسة ارجاع المال الذي خسرناه.  وكأن لسان حال المدرسة كان يقول لنا: لا خيار لكم!

ونحن قلنا: بلى، يوجد خيار!💪

فأصبح الأمر كالتحدي والعناد –خصوصاً عند زوجي – وذلك أدى إلى رفضنا كل أنواع القيود التي يضعها التعليم التقليدي، وأول تلك القيود هي القيود المالية.  لن نختار أبداً بين المال وبين مستقبل أبنائنا، خصوصاً عندما يكون الأمر بالإجبار.

المهم … قررنا الاستغناء عن غرفة معيشة جانبية وتحويلها إلى غرفة لتعليمنا المنزلي.

ركبنا أثاث أيكيا معاً، وكان أشبه بمشروع أسري قمنا به جميعاً، وفي تلك اللحظة بدأنا نفهم معنى التعليم المنزلي وقيمة المشاريع الأسرية.  كانت غرفة تعليمنا المنزلي بها 7 وحدات للأرفف، وسبورة صغيرة، وطاولة دائرية مع كراسي صغيرة، وكرسي دوّار للقراءة.

ثم رويداً رويداً بدأنا نملأ هذه الأرفف بالكتب والمناهج والألعاب التعليمية.  استمررنا في هذه الغرفة لمدة عشر سنوات، ونحن نقضي فيها كل ساعات تعليمنا الأكاديمي وغير الأكاديمي كذلك.  تحولت هذه الغرفة إلى مركز البيت وقلبه النابض– بدل المطبخ – وأصبحت مكان لضيافة الأطفال كلما ازدحم البيت بالضيوف.

نغير ترتيب هذه الغرفة من حينٍ إلى آخر، ونقوم ببعض الإضافات ومشاريع الدهان كلما احتاج الأمر.  وأصحبت هذه الغرفة تسحب تدريجياً إلى ممرات البيت وتمد أذرعها إلى غرف النوم.

زاد عدد الأطفال في أسرتنا، وبالتالي ضاقت هذه الغرفة علينا، أصبح لدي جميع المراحل التعليمية والكتب بدأت تتوالد كالأرانب، ولم يعد لدينا مكان لأن نضع فيه ما نشتريه.  فبدأنا نخطط للانتقال إلى بيت أكبر، وكان على رأس المتطلبات التي يجب توفرها في هذا البيت الجديد هو صالة كبيرة لغرفة تعليمنا المنزلي!

شاء الله عز وجل أن ننتقل إلى بلد آخر بالكلية، وبدأ مشروع كبير جداً وهو تنظيم هذا الكم الهائل من الكتب في صناديق، حتى وصلت إلى أكثر من 70 صندوق كتب، و20 صندوق بهم كل ما له علاقة بالتعليم المنزلي من ألعاب تعليمية ومعامل ومواد فينة وغيره.

وبالفعل تم شحن غرفة تعليمنا المنزلي وكل ما فيها – مع باقي أثاث البيت طبعاً- عبر البحار والمحيطات إلى كندا!

الانتقال إلى كندا وتحويل القبو بأكمله إلى كل ما له علاقة بالتعليم المنزلي

قبل أن نغادر الرياض، بدأنا نستعرض إعلانات العقارات في كندا، ونحدد حجم وميزانية ما يلبي حاجاتنا.

بفضل الله عز وجل وجدنا البيت الذي نقطن فيه الآن.  في اللحظة التي نزلت فيها إلى القبو (البيسمنت) قررنا جعله بأكمله غرفتنا في التعليم المنزلي، وبناءً على ذلك تم إنهاء جميع الإجراءات – قلت لكم بأن هذه الغرفة أصبحت أهم غرفة في البيت وقلبه النابض!

وصلت الحاوية (أم 40 قدم مكعب) وتم إنزال ما فيها في عاصفة ثلجية مُجمدة! 

لن أقص عليكم قصص عذابات النقل ومغامراته، ولكن الخلاصة أننا لم نستقر ولم ينتهِ العمل في غرفة تعليمنا المنزلي إلا بعد 3 أشهر من انتقالنا.

الحمد لله غرفة تعليمنا المنزلي الآن كبيرة وبها مساحة مريحة لكل ما نحتاج إليه.  تم جمع كل الأرفف والطاولات والمكتبة في مكان واحد، بل أصبح لدينا فيها “معمل” صغير، وقسم لتغليف الكتب وتخزين معدات المعامل التي تأتي مع المناهج التي نشتريها.

كذلك بها مساحة للعب ولنصب “خيمة” الأطفال، وطرح سجاد اللعب وغيره من الأشياء التي تحتاج إلى مساحة أرضية كبيرة.

غرفة التعليم المنزلي كالكثبان الرملية المتحركة تتغير بحسب اتجاه الرياح!

خلاصة رحلتنا في إنشاء غرفة تعليمنا المنزلي هو أن هذا النوع من الغرف يتغير بحسب أعمار الأبناء وبحسب مراحل ومواضيع دراستهم، وبحسب عددهم كذلك!

لا يوجد طريقة صحيحة أو طريقة خاطئة لتأسيس غرف التعليم المنزلي، كل غرفة لها طابعها الذي يعكس طابع الأسرة المؤسسة لها ونمط حياتها. 

دخلت غرف تعليم منزلي لعدة أسر معلمة منزلياً، وكل غرفة – على بساطتها – لها رونقها الخاص، ونظامها المتعلق بالأطفال الذين يتعلمون فيها، وكذلك إبداع الأم وأفكارها المتألقة.

كل غرفة تعكس مفاهيم الأسرة للتعليم المنزلي وفلسفتهم في التربية وقيمهم الدينية، فهي أشبه بمرآة، نستطيع من خلالها أن نرى مدى تطابق أو تباعد هذه الأسرة عنا أو عن غيرنا.

في المقالات التالية سنتكلم بشيء من التفصيل عن كل ما يتعلق بغرف التعليم المنزلي. 

ما هي أهم الأدوات التي لا تخلو أي غرفة تعليم منزلي منها؟

كيف نؤثث غرفة تعليم منزلي بأقل تكلفة ممكنة؟

ما هي الأقسام التي نؤسسها في غرفة التعليم المنزلي؟


أرجو أن تشتركوا في قائمتنا البريدية (أسفل الصفحة) ليصلكم إشعار بكل ما هو جديد على موقعنا.

لا تنسوا مشاركة هذه المقالة، وغيرها من المقالات – إن أعجبتكم – من خلال أيقونات التواصل الاجتماعي في الأسفل.

ربما سيعجبك أيضاً

Subscribe
نبّهني عن
18 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Eman
فبراير 22, 2019 7:06 م

ارجو ان تساعدينى بالافكار لانى مشتته وخائفه عندى اعمار الاولاد بين 13/6 محتاجه ابدا تعليم موازى او اى شئ مفيد لانى كرهت التعليم المدرسي العقيك لكن لانى اشعر انى متأخرة يزيد الامر صعوبه عندى
الله المستعان

اسما
فبراير 14, 2019 10:14 ص

ما هى المقومات التى لابد أن تتوافر فى الآباء لكى يقرروا التعليم المنزلي ؟؟ .. وما هى اهم الكتب التى ساعدتك فى رحلتك التعليم المنزلي ؟

اسما
فبراير 17, 2019 10:35 ص
Reply to  أم يوسف

سوف ابحث عنه ان شاء الله واتمنى ان يكون هناك مقاله شامله لكل الكتب والمدونات التى تساعد الأمهات على اتخاذ القرار المناسب .. نفع الله بك

اسما
فبراير 17, 2019 10:34 ص
Reply to  أم يوسف

سعيدة برد حضرتك .. الله يرزقكم كل جميل

رنا
فبراير 20, 2019 4:16 م
Reply to  اسما

السلام عليكم ..
أتمنى أن أفهم منك سيدتي نقطة المناهج او بالأحرى الكتب التي من المفروض ان أبدأ بها في رحلة التعليم المنزلي ..
ابنتي الكبيرة اصبح عمرها ٥ سنوات الآن…
ويهمني ان افهم كيف احدد كتب التعليم المنزلي …و بناء على ماذا استطيع ان اقرر ان هذا هو المنهج الذي اريد ان ابدأ به …
لا اعلم ان كان سؤالي واضحا …
على كل حال شكرا لك …
سعدت بالاطلاع على مدونتك الجميلة …

اسماء
فبراير 12, 2019 10:02 م

نسيت ان اسالك ان لم يكن في ذلك ازعاج لكم عن مكان اقامتكم بكندا فأنا ايضا اقطن بكندا مونتريال تحديدا ..

اسماء
فبراير 12, 2019 9:56 م

ماشاءالله ولا قوة الا بالله .. وفقكم الله ونفع بكم

Om leen
فبراير 11, 2019 10:53 ص

ما هي أهم الأدوات التي لا تخلو أي غرفة تعليم منزلي منها؟

برأيي الارفف المفتوحة والمكتبة الصغيرة للكتب:) هذه اهم مقومات الغرفة خاصة في بداية الرحلة للسن الصغير

ام معاذ
فبراير 11, 2019 10:45 ص

جزاكم الله خيرا